التقوى: الاتقاء من عذاب الله بصالح العمل .
/م6
تعليق على كلمة ( التقوى )
وما ينطوي فيها من تلقين وأهداف جليلة
وبمناسبة ورود كلمة ( التقوى ) لأول مرة في السورة نقول: إن الأمر بالتقوى ،والحثّ عليها ،والتنويه بالمتقين ،ووعد الله لهم بالغفران وتوسيع الرزق والهداية إلخ ،قد تكرر في القرآن كثيرا حتى لقد بلغ عدد الآيات التي وردت فيها الكلمة ومشتقاتها نحو مائتين وخمسين مرة ،مما يدل على مبلغ العناية القرآنية بذلك .
والكلمة في أصل معناها وقصدها التوقّي من غضب الله وسخطه باجتناب نواهيه واتباع أوامره .وهو لا يأمر إلا بما فيه خير للإنسان والإنسانية .ولا ينهى إلا عما فيه ضرر لهما .وبعبارة أخرى: إن المقصد أو الهدف المتوخى من الأمر بالتقوى والحثّ عليها هو إصلاح الإنسان ،وتوجيه المسلم إلى كل ما فيه الخير ،وإشعاره بالخوف من الله عز وجل ،وجعله يتجنب كل ما فيه شر وضرر .
وفي القرآن آيات عديدة تضمنت تقرير الفوائد وجوب تلازم التقوى مع الإيمان مثل آيات سورة يونس هذه:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ( 62 ) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ( 63 )} ( 62-63 ) ،وآية سورة الأعراف هذه:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ( 103 )} ،وآية سورة المائدة هذه:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ( 93 )} .
حيث يتضمن هذا تقرير كون الإيمان وحده لا يكفي لنجاة الإنسان إذا لم يرافقه عزم على اتباع أوامر الله ،واجتناب نواهيه ،وممارسته لذلك ،أو بعبارة أخرى: تقرير كون الإيمان هو أمر في سريرة الإنسان لا دليل عليه إلاّ التقوى التي تحمل المؤمن على اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه .
وفي القرآن آيات عديدة تضمنت تقرير الفوائد المتنوعة التي ييسرها الله للمتقين مثل آيات سورة الطلاق هذه:{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا( 2 ) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا( 3 )} ،وهذه:{ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا( 4 )} ،وهذه:{ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا( 5 )} ،وآية سورة هود هذه:{إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ( 49 )} ،وآية سورة الأنفال هذه:{يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ( 27 )} ،وآية سورة الزمر هذه:{قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ( 10 )} ،وآية سورة الحديد هذه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ( 28 )} .
ويبدو هذا ظاهر الحكمة ؛لأن المتقي يكون قد تجنب العثرات والمواقف الضارة المؤذية فأمن شرها وحظي بما يكون فيه الأمن والسلامة والنفع والخير والسداد والتوفيق والنجاح والنجاة في دنياه وأخراه ؛ولهذا كله حثّ القرآن على التقوى ،واعتبرها خير زاد يتزود بها المؤمن - والزاد لا بد منه لدوام الحياة مما يفهم ضرورته ذوو العقول النيرة - كما جاء في آية سورة البقرة هذه:{وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب} ،ونبه على أن أولياء الله هم المتقون كما جاء في آيات سورة يونس ( 62-63 ) التي أوردناها قبل قليل .وقرر أن الله هو ولي المتقين كما جاء في آية سورة الجاثية هذه:{وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين( 19 )} ،و{إن أكرم الناس عند الله أتقاهم} كما جاء في آية سورة الحجرات: 13 وجعل قبول دعاء الداعين وعبادة العابدين منوطاً بالتقوى كما جاء في آية سورة المائدة هذه:{قال إنما يتقبل الله من المتقين( 27 )} ،وكرر تقرير محبة الله للمتقين في آيات عديدة منها آية آل عمران هذه:{بلى من أوفى بعهدهواتقى فإن الله يحب المتقين( 76 )}{[2459]} ،وأنه مع الذين اتقوا كما جاء في سورة النحل:{إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون( 128 )} ،وأنه ينجي الذين اتقوا كما جاء في سورة الزمر هذه:{وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يسمهم السوء ولا هم يحزنون( 61 )}{[2460]} ،وفي سورة البقرة آية فيها جماع الفضائل الإيمانية والأخلاقية والاجتماعية والإنسانية وصف المتصفون بها بالمتقين وهي:{ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتي المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون( 177 )} .
حيث يبدو من كل ذلك كما قلنا عناية الله الجليلة وحكمة التنزيل السامية بإصلاح المسلم ،وتوجيهه إلى أحسن الوجهات التي فيها خيره وخير الإنسانية ،وسعادته في الدنيا والآخرة .