{ فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ( 41 ) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ( 42 )} .
لم يكونوا مؤمنين بفرعون الإيمان كله ، بدليل أنهم طلبوا منه أجرا على عملهم ، وكان عدولا في طلبهم ، لأن حدودا الأجر بالوصول إلى الغاية كالطبيب الذي يطلب بالأجر على الشفاء على العلاج والعمل ، ولذا قالوا مؤكدين في حال الغلب{ إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} فأكدوا الأجر في حال الغلب بعدة مؤكدات أولها كنا ، لأن كان تدل على الكينونة الثابتة المستمرة التي تكون بعد المعركة والمغالبة ، وثانيهانحنفهي تأكيد للضمير في كنا ، وثالثهاذكر الغالبين بالوصف والتعريف ، أي ولم ننهزم أمام موسى ، بل غلبناهم ، وهكذا ابتدءوا
أجابهم فرعون بقوله:{ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} أقر طلبهم أولا ، بقوله ( نعم ) الدالة على استحقاقهم ، وعدالة طلبهم ، وقرر جزاءين:
الجزء الأول:الأجر ، وقال:إن لكم لأجرا مؤكدا الأجر بأنه لهم واستحقاقهم ، وإنه أجر كبير لتنكير أجرا ، أي أجرا عظيما لا يقادر قدره .
والجزء الثاني:الذي يعد جزاءا كبيرا عند الملوك والطغاة ، وهو أن يكونوا مقربين ، وهذا التقريب إليه ، يتضمن مزايا معنوية في نظرهم ، وهو الرضا السامي ، كما كنا نسمع من عبارات الثناء على المقربين عند الملوك والذين كانوا يقلدون فرعون في طغوانه ، وإن كانوا في معاملة الرعية شرا منه ، ويتضمن مزايا أخرى بأنهم ينالون جزاء مما يسلط على العباد بتسليطهم ، ويتضمن مكاسب مادية من السعاية والإفساد ، وقد أكد قربهم منه بمؤكدات أولها:إنّ ، وثانيها:اللام ، وثالثها:الحكم بأنهم يكونون من ذوي الزلفى المحيطين به ، فيكونون في ظلامه وظلمه ، وبين أن ذلك نتيجة عملهم وذلك بالتعبير ب ( إذن ) أي أنه نتيجة عملكم ، حثا لهم على الجد والعناية .