ابتدأت السورة الكريمة بالتحميد بعد أن ختمت السورة السابقة بالأمر بالتكبير ، فهو المحمود الكبير الذي ليس فوقه أحد سبحانه وتعالى و"ال"في{ الحمد} للاستغراق ، أي استغراق كل الحمد وأعلاه ، فهو المحمود ولا محمود بحق سواه وكل آحاد الحمد تعود إليه بإطلاق ، وليس لغيره حمد إلا نسبي ، وفي دائرة محدودة ، هي دائرة المخلوق الذي لا يملك شيئا إلا من الله تعالى ،{ الذي أنزل على عبده الكتاب} هذه جملة تشير إلى سبب الحمد أو بعض أسبابه ، فإن الحمد لا يكون إلا بنعمة ، وهذه النعمة أجل النعم ، وأعظمها ، لأنها نعمة إنزال الكتاب على عبده ، وتقديم الجار والمجرور{ على عبده} على الكتاب لمزيد الاهتمام بكونه عبده . فإنه عبد الله ومبلغ رسالته ومن اختصه لنبوته وهو أعلم حيث يجعل رسالته ، وقوله تعالى:{ الكتاب} للدلالة على كمال الكتاب في ذاته ، فهو الجدير بأن يسمى كتابا ، وليس غيره جديرا بهذه التسمية ، وله ذلك الشرف الداني ، لأنه يشتمل عل كل ما يصلح البشر في معاشهم ، ومعادهم وما تقوم به مدنية سليمة فاضلة تنفى خبثها ، وتدعم خيرها ، وله شرف آخر إضافي وهو أنه منزل من الله العزيز الرحيم الرءوف الغفور الذي رحمته وسعة كل شيء .
هذه صفات ذاتية وإضافية ، ومن صفاته الذاتية أيضا أنه لا عوج فيه ، ولذا قال تعالى:{ ولم يجعل له عوجا} ، أي أنه سبحانه خلقه متجها إلى الحق من غير انحراف ، وأنه كالجسم الذي لا يعوج حسيا ، فإن الجسم قد يكون في ذاته مستقيما ، ولكن قد يتعرض لبعض الصدمات التي تجعله يسيخ{[1452]} أو ينقبض ، وإن هذا القرآن لا عوج فيه ، لا من خارجه ولا من أصل تكوينه ، فهو كونه قويما ولا يمسه شيء يزيغ أو ينحرف ، فهو قويم غير قابل للاعوجاج .