{ ألهاكم} أي شغلكم عما يجب عليكم الاشتغالُ به لأن اللهو شغل يصرف عن تحصيل أمرٍ مهم .
و{ التكاثر}: تفاعل في الكثْر أي التباري في الإِكثار من شيء مرغوب في كثرته .فمنه تكاثر في الأموال ،ومنه تكاثر في العَدد من الأولاد والأحلاف للاعتزاز بهم .وقد فسرت الآية بهما قال تعالى:{ وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين}[ سبأ: 35] .
وقال الأعشى:
ولستَ بالأكْثر منهم حَصًى *** وإنما العِزة للكَاثر
روى مسلم عن عبد الله بن الشِّخِّير قال: «انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:{ ألهاكم التكاثر} قال: يقول ابنُ آدم مالي مالي ،وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلتَ فأفنَيْت أو لَبست فَأَبْلَيْت أو تصدقت فأمضَيْت» فهذا جارٍ مجرى التفسير لمعنى من معاني التكاثر اقتضاه حال الموعظة ساعتئذ وتحتمله الآية .
والخطاب للمشركين بقرينة غلظة الوعيد بقوله:{ كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون} وقوله:{ لترون الجحيم}[ التكاثر: 6] إلى آخر السورة ،ولأن هذا ليس من خُلق المسلمين يومئذ .
والمراد بالخطاب: سادتُهم وأهلُ الثراء منهم لقوله:{ ثم لتسئلن يومئذٍ عن النعيم}[ التكاثر: 8] ،ولأن سادة المشركين هم الذين آثاروا ما هم فيه من النعمة على التهمّم بتلقي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فتصدَّوا لتكذيبه وإغراء الدهماء بعدم الإِصغاء له .فلم يُذكَر المُلْهَى عنه لظهور أنه القرآن والتدبر فيه ،والإِنصاف بتصديقه .وهذا الإِلهاء حصل منهم وتحقق كما دل عليه حكايته بالفعل الماضي .
وإذا كان الخطاب للمشركين فلأن المسلمين يعلمون أن التلبس بشيء من هذا الخلق مذموم عند الله ،وأنه من خصال أهل الشرك فيعلمون أنهم محذرون من التلبس بشيء من ذلك فيحذرون من أن يُلهيهم حب المال عن شيء من فعل الخير ،ويتوقعون أن يفاجئهم الموت وهم لاهون عن الخير ،قال تعالى يخاطب المؤمنين:{ اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته}[ الحديد: 20] الآية .