وقال تعالى:{ فيها سرر مرفوعة * وأكواب موضوعة * ونمارق مصفوفة * وزرابي مبثوثة} [ الغاشية:13 . 16] .
وذكر هشام عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال:الرفرف رياض الجنة ، والعبقري:عتاق الزرابي . وذكر إسماعيل بن عُلَيَّة عن أبي رجاء عن الحسن . في قوله تعالى:{ متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان} قال:هي البسط . قال:وأهل المدينة يقولون:هي البسط .
وأما النمارق فقال الواحدي:هي الوسائد في قول الجميع ، واحدتها:«نُمْرُقَة » بضم النون . وحكى الفراء «نمرقة » بكسرها ، وأنشد أبو عبيدة:
إذا ما بساط اللهو مد وقربت *** للذاته أنماطه ونمارقه
قال الكلبي:وسائد مصفوفة بعضها إلي بعض .
وقال مقاتل:هي الوسائد مصفوفة على الطنافس .
والزرابي بمعنى البسط ، والطنافس . واحدتها:زربية . في قول جميع أهل اللغة والتعبير .
و{ مبثوثة} مبسوطة منشورة .
فصل
وأما «الرفرف » فقال الليث:هو ضرب من الثياب خضر تبسط . الواحد رفرفة . وقال أبو عبيدة:الرفارف:البسط ، وأنشد لابن مقبل:
وإنا لنزالون تغشى نعالنا *** سواقط من أصناف رَيْط ورفرف
وقال أبو إسحاق ، قالوا:الرفرف هاهنا رياض الجنة . وقالوا:الرفرف الوسائل . وقالوا:الرفرف المحابس . وقالوا ، فضول المحابس للفرش .
وقال المبرد:هو فضول الثياب التي تتخذ الملوك في الفرش وغيره .
وقال الواحدي:وكأن الأقرب هذا . لأن الغرب تسمى كسر الخباء والخرقة التي تخلط في أسفل الخباء رفرفا . ومنه الحديث في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم «فرفع الرفرف ، فرأينا وجهه كأنه ورقة » .
قال ابن الأعرابي:الرفرف هاهنا طرف الفسطاط . فشبه ما فضل من المحابس عما تحته بطرف الفسطاط ، فسمى رفرفا .
قلت:أصل هذه الكلمة من الطرف أو الجانب ، فمنه الرفرف في الحائط ، ومنه الرفرف ، وهو كسر الخباء ، وجوانب الدرع ، وما تدلى منها ، الواحدة رفرفة . ومنه:«رفرف الطير » إذا حرك جناحه حول الشيء ، يريد أن يقع عليه . والرفرف:ثياب خضر يتخذ منها المحابس . الواحدة «رفرفة » ، وكل ما فضل من شيء فثُنِيَ وعُطف:فهو رفرف ، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه في قول الله عز وجل:{ لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [ النجم:18] قال:«رأى رفرفا أخضر [ قد] سَدَّ الأفق » وهو في «الصحيحين » .
فصل
وأما «العبقري » فقال أبو عبيدة:كل شيء من البُسُط «عبقري » . قال:ويرون أنها أرض توشَّى البسط فيها ، وقال الليث:عبقر:موضع بالبادية كثير الجن ، يقال:كأنه جن عبقر .
قال أبو عبيدة ، في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، حين ذكر عمر رضي الله عنه «فلم أر عبقريا يَفْرِي فَرْيه » .
وإنما أصل هذا ، فيما يقال:أنه نسب إلى «عبقر » ، وهي أرض يسكنها الجن ، فصار مثلا لكل منسوب إلى شيء رفيع ، وأنشد لزهير:
تخيل عليها جنة عبقرية *** جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا
وقال أبو الحسن الواحدي:وهذا القول هو الصحيح في «العبقري » . وذلك أن العرب إذا بالغت في وصف شيء نسبته إلى الجن ، أو شبهته بهم ، ومنه قول لبيد:
جن الردى رواسيا أقدامها *** . . .
وقال آخر يصف امرأة:
جنية ، ولها جن يعلمها *** رمى القلوب بقوس ما لها وتر
وذلك أنهم يعتقدون في الجن كل صفة عجيبة ، وأنهم يأتون بكل أمر عجيب ، ولما كان «عبقر » معروفا بسكناهم نسبوا كل شيء يبالغ فيه إليه ، يريدون بذلك أنه من عملهم وصنعهم ، هذا هو الأصل ، ثم صار العبقري نعتا لكل ما بولغ في صفته .
ويشهد لما ذكرنا:بيت زهير ، فإنه نسب الجن إلى «عبقر » .
ثم رأينا أشياء كثيرة نسبت إلى «عبقر » غير البسط والثياب ، كقوله صلى الله عليه وسلم في صفة عمر رضي الله عنه:«عبقريا » وروي عن الفراء قال:العبقري:الرشيد من الرجال ، وهو الفاخر من الحيوان والجوهر ، فلو كانت «عبقر » مخصوصة بالوشى ، لما نسب إليها غير الموشَّى وإنما ينسب إليها البسط الموشاة العجيبة الصنعة ، كما ذكرنا ، كما نسب إليها كل ما بولغ في وصفه .
قال ابن عباس رضي الله عنه:وعبقري ، يريد البسط والطنافس ، وقال الكلبي:هي الطنافس المجمَّلة ، وقال قتادة:هي عتاق الزرابي ، وقال مجاهد:الديباج الغليظ . وعبقري ، جمع ، واحده «عبقرية » ، ولهذا وصف بالجمع .
فتأمل كيف وصف الله سبحانه وتعالى «الفرش » بأنها مرفوعة ، و«الزرابي » أنها مبثوثة ، و«النمارق » بأنها مصفوفة ، فرفع الفرش دال على سمكها ولينها . وبث الزرابي دال على كثرتها ، وأنها في كل موضع ، لا يختص بها صدر المجلس دون مؤخره ، ووصف المساند يدل على أنها مهيأة للاستناد إليها دائما ، ليست مخبأة تصف في وقت دون وقت .
[ أسماء الجنة]
وللجنة عدة أسماء ، باعتبار صفاتها ، ومسماها واحد باعتبار الذات . فهي مترادفة من هذا الوجه ، وتختلف باعتبار الصفات . فهي متباينة من هذا الوجه . وهكذا أسماء الرب سبحانه وتعالى ، وأسماء كتابه ، وأسماء رسله ، وأسماء اليوم الآخر . وأسماء النار .
فالاسم الأول:( الجنة ) وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار ، وما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللذة ، والبهجة والسرور ، وقرة الأعين .
واصل اشتقاق هذه اللفظة:من «الستر » و«التغطية » . ومنه «الجنين »:لاستتاره في البطن ، و«الجان »:لاستتاره عن العيون ، و«المجنُّ »:لستره ووقايته الوجه . و«المجنون »:لاستتار عقله وتواريه عنه . و«الجان »:هي الحية الصغيرة الرقيقة . ومنه قول الشاعر:
فذقَّت وجلت واسْبَكَرّت وأكملت *** فلو جُنَّ إنسان من الحسن جُنت
أي لو غطى وستر عن العيون لفعل بها ذلك . ومنه سمى «البستان »:جنة . لأنه يستر داخله بالأشجار ويغطيه . ولا يستحق هذا الاسم إلا موضع الكثير الأشجار المختلفة الأنواع .
والجنة - بالضم - ما يستجن به ، من ترس أو غيره . ومنه قوله تعالى:{ اتخذوا أيمانهم جنة} [ المجادلة:16] يستترون بها من إنكار المؤمنين عليهم .
ومنه الجنة - بالكسر – وهم الجن ، كما قال تعالى:{ من الجنة والناس} [ الناس:6] .
وذهبت طائفة من المفسرين إلى أن الملائكة يسمون جنة . واحتجوا بقوله تعالى:{ وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا} [ الصافات:158] قالوا:وهذا النسب قولهم:الملائكة بنات الله . ورجحوا هذا القول بوجهين:
أحدهما:أن النسب الذي جعلوه إنما زعموا أنه بين الملائكة وبينه ولا بين الجن وبينه .
الثاني:قوله تعالى:{ ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون} [ الصافات:158] أي قد علمت الملائكة أن الذين قالوا هذا القول محضرون للعذاب .
والصحيح:خلاف ما ذهب إليه هؤلاء ، وإن الجنة هم الجن أنفسهم ، كما قال تعالى:{ من الجنة والناس} وعلى هذا ففي الآية قولان:
أحدهما:قول مجاهد . قال:قالت كفار قريش:الملائكة بنات الله . فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه فمن أمهاتهم ؟ قالوا:سروات الجن . وقال الكلبي . قالوا تزوج من الجن ، فخرج من بينهما الملائكة . وقال قتادة ، قالوا:صاهر الجن .
والقول الثاني:هو قول الحسن . قال:أشركوا الشياطين في عبادة الله . فهو النسب الذي جعلوه .
والصحيح:قول مجاهد وغيره .
وما احتج به أصحاب القول الأول ليس بمستلزم لصحة قولهم ، فإنهم لما قالوا:الملائكة بنات الله ، وهم من الجن ، عقدوا بينه وبين الجنة نسبا بهذا الإيلاد وجعلوا هذا النسب متولدا بينه وبين الجن .
وأما قوله{ ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون} فالضمير يرجع إلى الجنة ، أي قد علمت الجنة أنهم محضرون الحساب . قاله مجاهد ، أي لو كان بينه وبينهم نسب لم يحضروا الحساب ، كما قال تعالى:{ وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق} [ المائدة:18] فجعل سبحانه عقوبتهم بذنوبهم وإحضارهم للعذاب مبطلا لدعواهم الكاذبة .
وهذا التقدير في الآية أبلغ في إبطال قولهم من التقدير الأول فتأمله .
الاسم الثاني:( دار السلام ) ، وقد سماها الله تعالى بهذا الاسم في قوله:{ لهم دار السلام عند ربهم} [ الأنعام:127] وقوله:{ والله يدعوا إلى دار السلام} [ يونس:25] وهي أحق بهذا الاسم . فإنها دار السلامة من كل بلية وآفة ومكروه . وهي دار الله . واسمه سبحانه وتعالى:( السلام ) الذي سلمها وسلم أهلها ، وتحيتهم فيها سلام:{ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم بما صبرتم} [ الرعد:23 . 24] والرب تعالى يسلم عليكم من فوقهم ، كما قال تعالى:{ لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون * سلام قولا من رب رحيم} [ يس:57 . 58] وحديث جابر رضي الله عنه في سلام الرب تبارك وتعالى على أهل الجنة . وكلامهم كلهم فيها سلام ، أي لا لغو فيها ، ولا فحش ولا باطل ، كما قال تعالى:{ لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما} [ مريم:62] .
وأما قوله تعالى:{ وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين} [ الواقعة:90 . 91] فأكثر المفسرون حاموا حول المعنى ، وما وردوه ، وقالوا أقوالا لا يخفى بعدها عن المقصود .
وإنما معنى الآية - والله أعلم - فسلام لك أيها الراحل عن الدنيا حال كونك من أصحاب اليمين ، أي فسلامه لك كائنا من أصحاب اليمين الذين سلموا من الدنيا وأنكادها ، ومن النار وعذابها ، فبشر بالسلامة عند ارتحاله من الدنيا وقدومه على الله ، كما يبشر الملك روحه عند أخذها ، بقوله:«أبشري بروح وريحان ورب غير غضبان » .
وهذا أول البشرى التي للؤمن في الآخرة .
الاسم الثالث:( دار الخلد ) . . . وسميت بذلك . لأن أهلها ، لا يظعنون عنها أبدا كما قال تعالى:{ عطاء غير مجذوذ} [ هود:108] وقال:{ إن هذا لرزقنا ما له من نفاذ} [ ص:54] وقال:{ أكلها دائم وظلها} [ الرعد:35] وقال:{ وما هم منها بمخرجين} [ الحجر:48] .
الاسم الرابع:( دار المقامة ) . قال تعالى حكاية عن أهلها:{ وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن أن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب} [ فاطر:34 . 35] قال مقاتل:أنزلنا دار الخلود ، أقاموا فيها أبدا ، لا يموتون ولا يتحولون منها أبدا .
قال الفراء والزجاج:المقامة مثل الإقامة . يقال أقمت بالمكان إقامة ، ومقامة ، ومقاما .
الاسم الخامس:( جنة المأوى ) . قال تعالى:{ عندها جنة المأوى} [ النجم:15] .
الاسم السادس:( جنات عدن ) . فقيل:هي اسم لجنة من الجنان:والصحيح أنه اسم لجملة الجنان ، وكلها جنات عدن . قال تعالى:{ جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب} [ مريم:61] وقال تعالى:{ جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير} [ فاطر:33] وقال تعالى:{ ومساكن طيبة في جنات عدن} [ التوبة:72] .
والاشتقاق يدل على أن جميعها جنات عدن . فإنه من الإقامة والدوام . يقال:عدن بالمكان:إذا أقام ، وعدنتُ البلد:توطنته . وعدَنَتُ الإبل بمكان كذا:لزمته فلم تبرح منه .
وقال الجوهري:ومنه جنات عدن ، أي إقامة ، ومنه سمى المعدن - بكسر الدال - لأن الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء . ومركزه كل شيء:معدنه . والعادن:الناقة المقيمة في المرعى .
الاسم السابع:( دار الحيوان ) . قال تعالى:{ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} [ العنكبوت:64] .
والمراد:الجنة عند أهل التفسير . قالوا:{ وإن الدار الآخرة} . يعني الجنة ،{ لهي الحيوان} ، لهي دار الحياة التي لا موت فيها .
وقال الكلبي:هي حياة لا موت فيها . وقال الزجاج:هي دار الحياة الدائمة وأهل اللغة على أن ( الحيوان ) بمعنى الحياة .
قال أبو عبيدة وابن قتيبة:الحياة الحيوان . قال أبو عبيدة:الحياة ، والحيوان ، والحي بكسر الحاء -قال أبو علي:يعني أنها مصادر . فالحياة:فعلة . كالجلبة ، والحيوان:كالنَّزَوان والغليان ، والحي:كالعي ، قال العجاج:
كنا بها إذا الحياة حي *** . . .
أي إذا الحياة حياة . وأما أبو زيد:فخالفهم ، وقال:الحيوان:لما فيه روح . والموتان الموات:ما لا روح فيه .
والصواب:أن الحيوان يقع على ضربين:
أحدهما:مصدر ، كما حكاه أبو عبيدة .
والثاني:وصف ، كما حكاه أبو زيد .
وعلى قول أبي زيد:الحيوان مثل الحي ، خلاف الميت .
ورجح القول الأول:بأن الفعلان:بابه المصادر ، كالنزوان ، والغليان ، بخلاف الصفات . فإن بابها:فعلان ، كسكران وغضبان .
وأجاب من رجح القول الثاني:بأن «فعلان » قد جاء في الصفات أيضا .
قالوا:«رجل ضميان » للسريع الخفيف ، و«زفيان » .
قال في الصحاح:«ناقة زفيان » سريعة . و«قوس زفيان »:سريعة الإرسال للسهم .
فيحتمل قوله تعالى:{ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} معنيين:
أحدهما:أن الحياة الآخرة هي الحياة ، لأنها لا تنغيص فيها ، ولا نفاد لها ، أي لا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار .
فيكون «الحيوان » مصدرا على هذا .
الثاني:أن يكون المعنى:أنها الدار التي تفنى ، ولا تنقطع ، ولا تبيد ، كما يفنى الأحياء في هذه الدنيا . فهي أحق بهذا الاسم من الحيوان الذي يفنى ويموت .
الاسم الثامن:( الفردوس ) . قال تعالى:{ أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} [ المؤمنون:10 . 11] وقال تعالى:{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا} [ الكهف:107 . 108] .
الاسم التاسع:( جنات النعيم ) . قال تعالى:{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم} [ لقمان:8] .
وهذا أيضا اسم جامع لجميع الجنات ، لما تضمنته من الأنواع التي يتنعم بها أهلها:من المأكول ، والمشروب ، والملبوس ، والصور الجميلة ، والرائحة الطيبة ، والمنظر البهيج ، والمساكن الواسعة ، وغير ذلك من النعيم الظاهر والباطن .
الاسم العاشر:( المقام الأمين ) . قال تعالى:{ إن المتقين في مقام أمين} [ الدخان:51] .
الاسم الحادي عشر ، والثاني عشر:( مقعد الصدق ، وقدم الصدق ) . قال تعالى:{ إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق} [ القمر:54 . 55] فسمى جنته:مقعد صدق ، لحصول كل ما يراد من المقعد الحسن فيها ، كما يقال:مودة صادقة ، إذا كانت ثابتة تامة . وحلاوة صادقة ، وحملة صادقة . ومنه الكلام الصدق ، لحصول مقصوده منه .
وموضع هذه اللفظة في كلامهم:الصحة والكمال ومنه:الصدق في الحديث ، والصدق في العمل . والصدِّيق:الذي يصدق قوله بالعمل . الصدَّيق - بالفتح الصاد والدال - الصلب من الرماح ، ويقال للرجل الشجاع:إنه لذو صدق أي صادق الحملة . وهذا مصداق هذا:أي ما يصدقه . ومنه «الصداقة »:لصفاء المودة والمخالّة . ومنه:«صدقني القتال » ، و«صدقني المودة » . ومنه:«قدم صدق » . و«لسان صدق » . و«مدخل صدق » . و«مخرج صدق » .
وذلك كله للحق الثابت المقصود الذي يرغب فيه . بخلاف الكذب الباطل ، الذي لا شيء تحته . وهو لا يتضمن أمرا ثابتا قط .
وفسر قوم «قدم صدق » بالجنة ، وفسرها آخرون بالأعمال التي تنال بها الجنة . وفسر بالسابقة التي سبقت لهم من الله . وفسر بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي على يده وبهدايته نالوا ذلك .
والتحقيق:أن الجميع حق . فإنهم سبقت لهم من الله الحسنى بتلك السابقة أي بالأسباب التي قدرها لهم على يد رسله ، وادخر لهم جزاءها يوم القيامة . ولسان الصدق:وهو لسان الثناء الصادق بمحاسن الأفعال وجميل الطرائق .
وفي كونه لسان الصدق:إشارة إلى مطابقته للواقع ، وأنه ثناء بحق لا بباطل ومدخل الصدق ، ومخرج الصدق:هو المدخل والمخرج الذي يكون صاحبه فيه ضامنا على الله . وهو دخوله وخروجه بالله ولله ، وهذه الدعوة من أنفع الدعاء للعبد . فإنه لا يزال داخلا في أمر ، وخارجا من أمر . فمتى كان دخوله لله وبالله وخروجه كذلك ، كان قد أدخل مدخل صدق ، واخرج مخرج صدق ، والله المستعان .