وقوله- تعالى-:رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ...
بيان لمظهر من مظاهر رحمة الله- تعالى- بعباده، وفضله عليهم.
ويُزْجِي من الإزجاء، وهو السوق شيئا فشيئا. يقال أزجى فلان الإبل، إذا ساقها برفق، وأزجت الريح السحاب، أى:ساقته سوقا رفيقا، ومنه قوله- تعالى-:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً....
والْفُلْكَ ما عظم من السفن. قال الجمل ما ملخصه:ويستعمل لفظ الفلك للواحد والجمع، ويذكر ويؤنث. قال- تعالى-:وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فأفرد وذكر. وقال- سبحانه-:وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ، فأنث، ويحتمل الإفراد والجمع. قال- تعالى-:حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ... فجمع ... .
والْبَحْرِ يطلق على الماء الكثير عذبا كان أو ملحا. وأكثر ما يكون إطلاقا على الماء الملح.
أى:اذكروا- أيها الناس- لتعتبروا وتشكروا ربكم الذي من مظاهر نعمته عليكم، أنه يسوق لكم- بلطفه وقدرته- السفن التي تركبونها في البحر لكي تطلبوا من وراء ركوبها الرزق الذي يصلح معاشكم، والذي هو لون من ألوان فضل الله عليكم.
وقوله:لتبتغوا من فضله، تعليل لإزجاء الفلك، وتصريح بوجوه النفع التي تفضل الله- تعالى- بها عليهم.
وقوله:إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً تعليل ثان لهذا الإزجاء.
أى:يزجى لكم الفلك في البحر، لتطلبوا من وراء ذلك ما ينفعكم، ولأنه- سبحانه- كان أزلا وأبدا، بكم دائم الرحمة والرأفة.