في الوجود آيات الله تعالى ونعمه
هذه آيات الله البينات تحوطنا فيما حولنا وفي ذات أنفسنا ، وفي مجريات أمورنا توقظنا فلا نستيقظ ، وهي تذكير من الله سبحانه وتعالى ، وروى عن ابن مسعود أنه جفت الكوفة ، فقال:"يا عباد الله إن يستعتبكم فأعتبوه".
ذكر الله تعالى نعمته على الناس في الفلك المشحون فقال سبحانه:{ ربكم الذي يزجى لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله} ، وإزجاء الفلك سوقه وإجراؤه ، كما قال تعالى:{ ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ( 43 )} [ النور] .
فكلمة يزجى تتضمن أن الله يسوق السفينة وأحمالها ، وهو الذي يجريها في وسط الأمواج المتلاطمة ، وهو سبحانه حفيظ عليها في وسط الرياح التي تهزها هزا ، والأمواج التي تعلو حتى تكون كالجبال ، وتهبط حتى تكون كأنها تسير على بساط الأرض .
وقال تعالى:{ لتبتغوا من فضله} ويصف سبحانه وتعالى الفلك بأنه الفلك المشحون ، أي المملوء بالأمتعة والبضائع التي تنقلها من بلد إلى بلد ، أو إقليم إلى إقليم .
وهنا نذكر معجزة للقرآن الكريم ، في إخباره عما يكون في المستقبل ، فكل ملم بالتاريخ يعلم أن المتاجر في البلاد العرب كانت تسير بالقوافل في باطن الصحراء ، حتى كان المثل:الجمل سفينة الصحراء ، ويندر من العرب من كان يرى البحر ، ولكن القرآن تنبأ بأن الفلك ستكون هي الطريق لنقل البضائع من إقليم لإقليم ، من أقصى الأرض إلى أقصاها ، والآن نرى أن البلد يكون مقدار اقتصاده تبعا لمقدار سواحله ، ومقدار المنشآت التي تمر بمراسيه ، وتمخر عباب البحر إليه .
ولا تكاد تجد سورة من القرآن خلت من وصف البحر والجواري المنشآت ، ولقد اطلع بعض البحارة على بعض تراجم القرآن – وإن لم تكن قرآنا – فعجب عندما عليم أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يركب البحر ، فآمن .
وقوله تعالى:{ لتبتغوا من فضله} ، أي لتطلبوا مبتغين مريدين بعض فضله ، ومن هنا للتبعيض ؛ لأن الفضل الذي يبتغى بالسفائن ، إنما هو سبب واحد من أسباب الكسب الحلال ، وهو الاتجار ، ونقل البضائع بين الأمصار عمل ذي أخطار ، وهناك فضل كثير لله غيره ، فهناك الزراعة ، وهناك استخراج المعادن من باطن الأرض ، واللآئي والجواهر من باطن البحار ، فكل أولئك من رحمة الله ، ولذا ختم الآية بقوله تعالت كلماته ونعمه:{ إنه كان بكم رحيما} الضمير يعود إلى{ ربكم} الذي صدر به القول و{ كان} دالة على الاستمرار ، وقدم{ بكم} على{ رحيما} لكمال العناية بخلقه ، وللاهتمام بالإنعام وبالرحمة بهم ، فالإنسان محوط بنعمه مغمور بها ، ولكن قليل الشكور من بين عباده ، وكثير الكفور .