قال الإمام ابن كثير:قوله- تعالى-:يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ ...
:هذا أمر من الله- تعالى- لعباده المؤمنين، بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين، إلى أرض الله الواسعة، حيث يمكن إقامة الدين، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم ...
روى الإمام أحمد عن أبى يحيى مولى الزبير بن العوام قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، فحيثما أصبت خيرا فأقم» .
ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة، ليأمنوا على دينهم هناك.. ثم بعد ذلك، هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة المنورة ... » .
وفي ندائهم بقوله:يا عِبادِيَ
وفي وصفهم بالإيمان، تكريم وتشريف لهم، حيث أضافهم- سبحانه- إلى ذاته، ونعتهم بالنعت المحبب إلى قلوبهم.
وقوله:إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ
تحريض لهم على الهجرة من الأرض التي لا يتمكنون فيها من إقامة شعائر دينهم، فكأنه- سبحانه- يقول لهم:ليس هناك ما يجبركم على الإقامة في تلك الأرض التي لا قدرة لكم فيها على إظهار دينكم، بل اخرجوا منها فإن أرضى واسعة، ومن خرج من أجل كلمة الله، رزقه الله- تعالى- من حيث لا يحتسب.
ومن المفسرين الذين أجادوا في شرح هذا المعنى، صاحب الكشاف- رحمه الله- فقد قال:ومعنى الآية:أن المؤمن إذا لم يتسهل له العبادة في بلد هو فيه، ولم يتمش له أمر دينه كما يحب، فليهاجر عنه إلى بلد يقدر أنه فيه أسلم قلبا، وأصح دينا، وأكثر عبادة ...
ولعمري إن البقاع تتفاوت في ذلك التفاوت الكثير، ولقد جربنا وجرب أولونا، فلم نجد فيما درنا وداروا:أعون على قهر النفس، وعصيان الشهوة، وأجمع للقلب المتلفت، وأضم للهم المنتشر، وأحث على القناعة، وأطرد للشيطان، وأبعد عن الفتن ... من سكنى حرم الله، وجوار بيت الله، فلله الحمد على ما سهل من ذلك وقرب ... » .
والفاء في قوله- تعالى- فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ
بمعنى الشرط، وإياى منصوب بفعل مضمر، قد استغنى عنه بما يشبهه. أى:فاعبدوا إياى فاعبدون.
والمعنى:إن ضاق بكم مكان، فإياى فاعبدوا، لأن أرضى واسعة، ولن تضيق بكم.