وقوله- سبحانه-:هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ.. استئناف جار مجرى التعليل لما قبله، من الأمر بالإكثار من الذكر ومن التسبيح.
والصلاة من الله- تعالى- على عباده معناها:الرحمة بهم، والثناء عليهم، كما أن الصلاة من الملائكة على الناس معناها:الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة.
قال القرطبي:قوله- تعالى-:هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ.. قال ابن عباس:لما نزل:إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ... قال المهاجرون والأنصار:هذا لك يا رسول الله خاصة، وليس لنا فيه شيء، فأنزل الله هذه الآية.
ثم قال القرطبي:قلت:وهذه نعمة من الله- تعالى- على هذه الأمة من أكبر النعم، ودليل على فضلها على سائر الأمم. وقد قال:كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.
والصلاة من الله على العبد هي رحمته له، وبركته لديه. وصلاة الملائكة:دعاؤهم للمؤمنين واستغفارهم لهم، كما قال- تعالى-:الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا.
وقوله:لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ متعلق بقوله:يُصَلِّي أى:يرحمكم- سبحانه- برحمته الواسعة، ويسخر ملائكته للدعاء لكم، لكي يخرجكم بفضله ومنته، من ظلمات الضلال والكفر إلى النور والهداية والإيمان.
وَكانَ- سبحانه- وما زال بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً رحمة عظيمة واسعة، تشمل الدنيا والآخرة.
أما رحمته لهم في الدنيا فمن مظاهرها:هدايته إياهم إلى الصراط المستقيم.
وأما رحمته- سبحانه- لهم في الآخرة فمن مظاهرها:أنهم يأمنون من الفزع الأكبر.
وفي صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب- رضى الله عنه-، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى امرأة من السبي قد أخذت صبيا لها فألصقته إلى صدرها وأرضعته فقال:«أترون هذه تلقى ولدها في النار وهي تقدر على ذلك؟ قالوا:لا. قال:فو الله لله أرحم بعباده من هذه بولدها» .