وقوله- سبحانه-:وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى ... معطوف على كلام محذوف يفهم من سياق القصة، والتقدير:
وانتشر خبر الرسل بين أصحاب القرية، وعلم الناس بتهديد بعضهم لهم وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ أى من أبعد مواضعها رَجُلٌ يَسْعى أى:رجل ذو فطرة سليمة، يسرع الخطا لينصح قومه، وينهاهم عن إيذاء الرسل ويأمرهم باتباعهم.
قالوا:وهذا الرجل كان اسمه حبيب النجار، لأنه كان يشتغل بالنجارة.
وقد أكثر بعض المفسرين هنا من ذكر صناعته وحاله قبل مجيئه، ونحن نرى أنه لا حاجة إلى ذلك، لأنه لم يرد نص صحيح يعتمد عليه فيما ذكروه عنه.
ويكفيه فخرا هذا الثناء من الله- تعالى- عليه بصرف النظر عن اسمه أو صنعته أو حاله، لأن المقصود من هذه القصة وأمثالها في القرآن الكريم هو الاعتبار والافتداء بأهل الخير.
وعبر هنا بالمدينة بعد التعبير عنها في أول القصة بالقرية للإشارة إلى سعتها، وإلى أن خبر هؤلاء الرسل قد انتشر فيها من أولها إلى آخرها.
والتعبير بقوله:يَسْعى:يدل على صفاء نفسه، وسلامة قلبه، وعلو همته، ومضاء عزيمته، حيث أسرع بالحضور إلى الرسل وإلى قومه، ليعلن أمام الجميع كلمة الحق، ولم يرتض أن يقبع في بيته- كما يفعل الكثيرون- بل هرول نحو قومه، ليقوم بواجبه في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وقوله- تعالى-:قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ بيان لما بدأ ينصح قومه به بعد وصوله إليهم.
أى:قالَ لقومه على سبيل الإرشاد والنصح يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ الذين جاءوا لهدايتكم إلى الصراط المستقيم، ولإنقاذكم من الضلال المبين الذي انغمستم فيه.