ثم حذر- سبحانه- من الشرك أبلغ تحذير فقال:وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ، لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ.
قال الجمل:قوله:وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ ... هذه اللام دالة على قسم مقدر وقوله لَئِنْ أَشْرَكْتَ. هذه اللام- أيضا- دالة على قسم مقدر، وقوله:لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ كل من هذين اللامين واقعة في جواب القسم الثاني. والثاني وجوابه جواب الأول. وأما جواب الشرط في قوله:لَئِنْ أَشْرَكْتَ فمحذوف، لدخول جواب القسم عليه، فهو من قبيل قول ابن مالك:
واحذف لدى اجتماع شرط وقسم ... جواب ما أخرت فهو ملتزم
وقوله أُوحِيَ مسلط على إِلَيْكَ وعلى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ فيكون المعنى:
ولقد أوحى إليك- أيها الرسول الكريم- وأوحى إلى الرسل الذين من قبلك أيضا لئن أشركت، بالله- تعالى- على سبيل الفرض لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، أى ليفسدن عملك فسادا تاما وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ خسارة ليس بعدها خسارة في الدنيا والآخرة.
قال صاحب الكشاف:فإن قلت:الموحى إليهم، جماعة، فكيف قال:لَئِنْ أَشْرَكْتَ على التوحيد؟ قلت:معناه. أوحى إليك لئن أشركت ليحبطن عملك، وإلى الذين من قبلك مثله، أو أوحى إليك وإلى كل واحد منهم:لئن أشركت ليحبطن عملك. كما تقول:فلان كسانا حلة. أى:كل واحد منا.
فإن قلت:هو على سبيل الفرض. والمحالات يصح فرضها...
والآية الكريمة تحذر من الشرك بأسلوب فيه ما فيه من التنفير منه ومن التقبيح له، لأنه إذا كان الرسول صلّى الله عليه وسلم لو وقع في شيء منه- على سبيل الفرض- حبط عمله، وكان من الخاسرين. فكيف بغيره من أفراد أمته؟