وقوله- سبحانه- بعد ذلك:الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ بدل من قوله- تعالى-:كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ والمراد بالذين يبخلون:كل من يبخل بماله أو بعلمه..
فكأنه- تعالى- يقول:والله لا يحب الذين يبخلون بما أعطاهم من فضله، بخلا يجعلهم لا ينفقون شيئا منه في وجوه الخير، لأن حبهم لأموالهم جعلهم يمسكونها ويشحون بها شحا شديدا.. ولا يكنفون بذلك، بل يأمرون غيرهم بالبخل والشح.
وعلى رأس هؤلاء الذين لا يحبهم الله- تعالى- المنافقون، فقد كانوا يبخلون بأموالهم عن إنفاق شيء منها في سبيل الله، وكانوا يتواصون بذلك فيما بينهم، فقد قال- سبحانه-في شأنهم:هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا. وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ .
وقوله- سبحانه-:وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ تذييل المقصود به ذم هؤلاء البخلاء على بخلهم.
وجواب الشرط محذوف، أغنت عنه جملة فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ والغنى:هو الموصوف بالغنى- وهي صفة من صفات الله- عز وجل- إذ هو الغنى غنى مطلقا، والخلق جميعا في حاجة إلى عطائه- سبحانه- والحميد:وصف مبالغة من الحمد. والمراد به أنه- تعالى- كثير الحمد والعطاء للمنفقين في وجوه الخير.
أى:ومن يعرض عن هدايات الله- تعالى- وعن إرشاداته ... فلن يضر الله شيئا، فإن الله- تعالى- هو صاحب الغنى المطلق الذي لا يستغنى عن عطائه أحد، وهو- سبحانه- كثير الحمد والعطاء لمن استجاب لأمره فأنفق مما رزقه الله بدون اختيال أو تفاخر أو أذى.
ثم بين- سبحانه- أن حكمته قد اقتضت أن يرسل رسله إلى الناس، ليهدوهم إلى طريق الحق، وأن الناس منهم من اتبع الرسل، ومنهم من أعرض عنهم، ومنهم من ابتدع أمورا من عند نفسه لم يرعها حق رعايتها.. فقال- تعالى-: