ثم ذكر الله تعالى أوصافهم فيما بعد فقال{الذين يبخلون} أي: يمنعون ما يجب عليهم بذله من مال ،أو جاه ،أو علم ،مثال الأول: الذي يبخل بالزكاة وهي أعظم وأوجب ما ينفق ،والإنفاق على من تجب نفقته من الأقارب والزوجات .ومثال الثاني: أن يجد الإنسان شخصاً مسلماً واقعاً في مظلمة يتطلب المقام أن يشفع فيها ،ليرفع عنه هذا الظلم ولكنه يبخل ،فهذا بخل بجاه .ومثال الثالث: أن يبخل بتعليم الناس مما علمه الله - عز وجل - وأن يبخل بالجواب والفتوى إذا استفتي عن مسألة دينية وتعين عليه أن يفتي فيها ،وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: «البخيل من إذا ذكرت عنده ولم يصلِّ عليَّ »اللهم صلِّ وسلم عليه ،وهذا نوع من البخل ،لأنه بخل بما يجب عليه ،إذ إن القول الراجح أنه إذا ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجب على من سمعه أن يصلي عليه ،بدليل الحديث الذي في السنن أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «رغم أنف امرء ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك .قل: آمين .فقال: آمين »{ويأمرون الناس بالبخل} أي: يقولون للرجل: لا تنقص من مالك ،لا تتعب نفسك في الشفاعة لفلان ،لا تتعب نفسك في تعليم العلم ،فهؤلاء أمروا بالبخل فصاروا - والعياذ بالله - فاسدين مفسدين ،قال الله - عز وجل -:{ومن يتول} أي: يعرض عن طاعة الله ،{فإن الله هو الغنى الحميد} ،من يتول فإن الله ليس بحاجة إليه فهو - عز وجل - غني بذاته عن جميع مخلوقاته ،وهوالحميد ،أي: المحمود على غناه ،لأنه ليس كل غني يكون محموداً ،فالغني البخيل غير محمود ،لكن الله - عز وجل - غني حميد يحمد على غناه ؛لأن الله - عز وجل - واسع العطاء ،كثير العطاء ،وفي هذه الآية دليل على أن الإنسان الذي يتولى عن طاعة الله إنما يضر نفسه ،ولا يضر الله شيئاً ،فإن الله غني ،وفي الحديث القدسي: «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ».