وبعد أن وبخ- سبحانه- الذين يقولون ما لا يفعلون، أتبع ذلك ببيان من يحبهم الله- تعالى- فقال:إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ.
ومحبة الله- تعالى- لشخص، معناها:رضاه عنه، وإكرامه له.
والصف يطلق على الأشياء التي تكون منتظمة في مظهرها، متناسقة في أماكنها، والمرصوص:هو المتلاصق الذي انضم بعضه إلى بعض. يقال:رصصت البناء، إذا ألزقت بعضه ببعض حتى صار كالقطعة الواحدة.
والمعنى:أن الله- تعالى- يحب الذين يقاتلون في سبيل إعلاء دينه قتالا شديدا، حتى لكأنهم في ثباتهم، واجتماع كلمتهم، وصدق يقينهم.. بنيان قد التصق بعضه ببعض، فلا يستطيع أحد أن ينفذ من بين صفوفه.
فالمقصود بالآية الكريمة:الثناء على المجاهدين الصادقين، الذين يثبتون أمام الأعداء وهم يقاتلونهم، ثباتا لا اضطراب معه ولا تزلزل.
قال الإمام الرازي:أخبر الله- تعالى- أنه يحب من يثبت في الجهاد، ويلزم مكانه، كثبوت البناء المرصوص.
ويجوز أن يكون على أن يستوي أمرهم في حرب عدوهم، حتى يكونوا في اجتماع الكلمة، وموالاة بعضهم بعضا، كالبنيان المرصوص .
ثم ساق- سبحانه- جانبا مما قاله موسى- عليه السلام- لقومه. وكيف أنهم عند ما انصرفوا عن الحق، عاقبهم- سبحانه- بما يستحقون من عقاب فقال: