ثمّ تطرح الآية اللاحقة مسألة مهمّة للغاية في التشريع الإسلامي ،وهي موضوع الجهاد في سبيل الله ،حيث يقول تعالى:{إنّ الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنّهم بنيان مرصوص}{[5268]} .
ونلاحظ هنا أنّ التأكيد ليس على القتال فحسب ،بل على أن يكون «في سبيله » تعالى وحده ،ويتجسّد فيهكذلكالإتّحاد والانسجام التامّ والتجانس والوحدة ،كالبنيان المرصوص .
«صف » في الأصل لها معنى مصدري بمعنى ( جعل شيء ما في خطّ مستو ) إلاّ أنّها هنا لها معنى ( اسم فاعل ) .
«مرصوص » من مادّة ( رصاص ) بمعنى معدن الرصاص ،ولأنّ هذه المادّة توضع بعد تذويبها بين طبقات البناء من أجل استحكامه وجعله قويّاً ومتيناً للغاية ،لذا أطلقت هذه الكلمة هنا على كلّ أمر قوي ومحكم .
والمقصود هنا أن يكون وقوف وثبات المجاهدين أمام العدو قويّاً راسخاً تتجسّد فيه وحدة القلوب والأرواح والعزائم الحديدية والتصميم القوي ،بصورة تعكس أنّهم صفّ متراصّ ليس فيه تصدّع أو تخلخل ..
يقول علي بن إبراهيم في تفسيره موضّحاً مقصود هذه الآية: «يصطفّون كالبنيان الذي لا يزول »{[5269]} .
وجاء في حديث عن أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) أنّه عندما كان يهيئ أصحابه للقتال بصفّين ،قال: «إنّ الله تعالى قد أرشدكم إلى هذه المسؤولية حيث قال سبحانه:{ إنّ الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنّهم بنيان مرصوص} وعلى هذا فاحكموا صفوفكم كالبنيان المرصوص ،وقدموا الدّارع ،وأخّروا الحاسر ،وعظّوا على الأضراس فإنّه أنبى للسيوف عن إلهام ،والتووا في أطراف الرماح ،فإنّه أمْوَرُ للأسنّة ،وغضّوا الأبصار فإنّه أربط للجأش ،وأسكن للقلوب ،وأميتوا الأصوات ،فإنّه أطرد للفشل ،ورايتكم فلا تميلوها ولا تخلوها ،ولا تجعلوها إلاّ بأيدي شجعانكم ...»{[5270]} .
/خ4