ثمّ يضيف سبحانه مواصلا القول:{كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}{[5264]} حيث التصريحات العلنية في مجالس السمر والإدّعاء بالشجاعة ،ولكن ما أن تحين ساعة الجدّ إلاّ ونلاحظ الهروب والنكوص والابتعاد عن تجسيد الأقوال المدّعاة .
إنّ من السمات الأساسية للمؤمن الصادق هو الانسجام التامّ بين أقواله وأعماله وكلّما ابتعد الإنسان عن هذا الأصل ،فإنّه يبتعد عن حقيقة الإيمان .
«المقت » في الأصل: ( البغض الشديد لمن ارتكب عملا قبيحاً ) وكان عرب الجاهلية يطلقون عبارة ( نكاح المقت ) لمن يتزوّج زوجة أبيه .وفي الجملة السابقة نلاحظ اقتران مصطلح «المقت » مع «الكبر » ،والذي هو دليل أيضاً على الشدّة والعظمة ،كما هو دليل على الغضب الإلهي الشديد على من يطلقون أقوالا ولا يقرنونها بالأعمال .
يقول المرحوم العلاّمة الطباطبائي في الميزان: فرق بين أن يقول الإنسان شيئاً لا يريد أن يفعله ،وبين الإنسان الذي لا ينجز عملا يقوله .
فالأوّل دليل النفاق ،والثاني دليل ضعف الإرادة{[5265]} .
وتوضيح ذلك أنّ الإنسان الذي يقول شيئاً لم يقرّر إنجازه منذ البداية هو على شعبة من النفاق ،أمّا إذا قرّر القيام بعمل ما ،ولكنّه ندم فيما بعد فهذا دليل ضعف الإرادة .
وعلى كلّ حال ،فمفهوم الآية يشمل كلّ تخلّف عن عمد ،سواء تعلّق بنقض العهود والوعود أو غير ذلك من الشؤون ،حتّى أنّ البعض قال: إنّها تشمل حتّى النذور .
ونقرأ في رسالة الإمام علي ( عليه السلام ) لمالك الأشتر أنّه قال: «إيّاك ..أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك ..والخلف يوجب المقت عند الله والناس ،قال الله تعالى: ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) »{[5266]} .
كما نقرأ في حديث عن الإمام الصادق أنّه ( عليه السلام ) قال: «عدة المؤمن أخاه نذر لا كفّارة فيه ،فمن أخلف فبخلف الله بدأ ،ولمقته تعرّض ،وذلك قوله:{يا أيّها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} »{[5267]} .
/خ4