{كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} وذلك هو غاية الفظاعة في ما يمكن أن يوجه إلى المؤمن عندما يتطلع إلى نفسه وإلى موقعه من ربه ،فيرى نفسه ممقوتاً منه أشدّ المقت ،ومبغوضاً أشدّ البغض ،بينما يفرض عليه إيمانه أن ينال المحبة من الله ،للحصول على رحمته التي هي أساس خلاصه وسعادته في الدنيا والآخرة .وهذا مما يوحي إليه بخطورة المسألة التي لم يعهد التعبير عن غيرها بهذا الأسلوب العنيف الذي يضع المسألة في أعلى درجةٍ من الأهمية ،لأنه يمثل في النطاق الذاتي لوناً من ألوان الخداع والغش في إعلان الموقف الإيماني الذي يعني الميثاق مع الله على تحويل ذلك إلى موقفٍ عملي ،وأية جريمةٍ أعظم من جريمة خداع الإنسان لربه .أما في النطاق الاجتماعي ،فإنه يمنع قيام أية ثقةٍ اجتماعيةٍ بين الناس في ما يتحركون به على مستوى العلاقات والمعاملات على أساس ما يعلنونه من التزامات الإيمان ،عندما تكون الأخلاق العامة في هذا المستوى السلبي من الوفاء بالالتزامات الخاصة والعامة ،أو ما يثيرونه من الالتزامات الخاصة فيما بينهم .وأما في نطاق الدولة ،فإنه يمنع القيادة من الشعور بالقوة أمام المشاكل الصعبة والتحديات الكبيرة التي تواجهها في مسألة الأمن والنظام ،ما يؤدي إلى اختلال النظام العام للأمة بالمستوى الذي يعرِّضها للضعف ويدفعها في نهاية المطاف إلى السقوط والانهيار .
وعلى ضوء ذلك ،فإنّ هذه القيمة الأخلاقيةوهي التطابق بين القول والفعلتمثل العمق الإيماني الذاتي على مستوى الفرد ،والقيمة الاجتماعية على مستوى تماسك المجتمع في علاقاته العامة والخاصة ،والأساس القوي لقوة الدولة في التزام الأمة بالقيادة في مسؤولياتها العامة .
وإذا كانت الرواية السابقة قد ذكرت نزول الآيتين في حديث النبي( ص ) عن الجهاد ،فإن ذلك يمثل النموذج الحي الذي يعطي الخط العريض لكل النماذج الأخرى في كل أحكام الإسلام وشرائعه .