وبعد هذا البيان البديع لجانب من مظاهر قدرته - تعالى - على كل شئ ، ومن ألوان نعمه على خلقه ، ومن تقرير أن البعث حق . . بعد كل ذلك ، بين - سبحانه - جزاء الكافرين ، وجزاء المتقين فى هذا اليوم فقال - تعالى -:
( إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ . . . ) .
قوله - سبحانه -:( إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً . . . ) كلام مستأنف لبيان أهوال جهنم وأحوالها ، وجهنم:اسم لدار العذاب فى الآخرة .
والمرصاد:مفعال من الرَّصَد . تقول:رصدت فلانا أرصده ، إذا ترقيته وانتظرته ، بحيث لا يهرب منك ، "فمرصادا "صيغة مبالغة للراصد الشديد الرصد ، وصفت جهنم بذلك ، لأن الكافرين لا يستطيعون التفلت منها مهما حاولوا ذلك .
قال القرطبى:"مرصادا "مفعال من الرصد ، والرصد:كل شئ كان أمامك . . وقال مقاتل:"مرصادا "أى:محبسا . وقيل:طريقا وممرا . وذكر القشيرى:أن المرصاد:المكان الذى يرصد فيه الواحد العدد . أى:هى معدة لهم ، فالمرصاد بمعنى المحل . . وذكر الماوردى ، أنها بمعنى راصدة . . وفى الصحاح:الراصد الشئ الراقب له . تقول:رصدته أرصده ، إذا ترقبته . .
والمعنى:إن جهنم التى هى دار العذاب فى الآخرة ، كانت - بأمر الله - تعالى - ومشيئته - معدة ومهيئة للكافرين ، فهى ترصدهم وترقبهم بحيث لا يستطيعون الهرب منها ، فهى كالحارس اليقظ الذى يقف بالمرصد فلا يستطيع أحد أن يتجاوزه .
والمقصود بالآية الكريمة تهديد المشركين ، وبيان أنهم لا مهرب لهم من جهنم ، وأنها فى انتظارهم ، كما ينتظر العدو عدو ليقضى عليه .