{ص} من الحروف المقطعة في القرآن ،{وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} الواو للقسم ،أي أقسم بالقرآن ذي الذكر الذي أنزله الله ليكون ذكراً للناس ،يفتح به قلوبهم على الله ،فيعيشون معه في حضورٍ دائم ،بما يتمثلونه في آياته من عظمته في ذاته وصفاته وخلقه ،ومن نعمته في كل ظواهر الحياة التي أبدعها لتكون مسخّرةً للإنسان في حاجات وجوده ،بما يحفظ حياته ويجعلها مريحةً يتحقق له فيها ما يشتهيه ويستلذه ،ويفتح عقولهم على الفكر النيّر العميق في قضايا العقيدة ،فيبتعدون بذلك الذكر عن الغفلة التي توقعهم في قبضة الخرافة ،وفي واقع الشرك والإلحاد ،وما يؤدّي إليه من انحرافٍ في التصور على مستوى مفاهيم الأشياء المتحركة في حياتهم ،أو في طبيعة العلاقات التي تشدهم إلى الآخرين ،وبذلك كان القرآن حركةً متصاعدةً ،تنفتح روحياً وفكرياً وعملياً على كل ما يذكّر الإنسان ويبعده عن الاستغراق في الغفلة المطبقة الخانقة التي تجعله فريسةً لكل دعاة الكفر والضلال ،ليكون ذاكراً لكل مفردات الواقع التي تثير فيه التفكير والتأمل واليقظة في كل موقعٍ للعقيدة ،وفي كل ساحةٍ للصراع ،وفي كل موضعٍ للانتماء .
أمّا جواب القسم فقد ذُكر في تفسير الكشاف أن فيه وجهين: «أحدهما: أن يكون قد ذكر اسم هذا الحرف من حروف المعجم ،أعني «ص » ،على سبيل التحدي والتنبيه على الإعجاز ،كما مرّ في أوّل الكتاب ،ثم أتبعه القسم محذوف الجواب لدلالة التحدي عليه ،كأنه قال: والقرآن ذي الذكر ،إنه لكلام معجز .والثاني: أن يكون «ص » خبر مبتدأ محذوف ،على أنها اسم للسورة ،كأنه قال: هذه ص ،يعني هذه السورة التي أعجزت العرب ،والقرآن ذي الذكر ،كما تقول: هذا حاتم والله ،تريد: هذا هو المشهور بالسخاء والله ؛وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال: أقسمت ب «ص » والقرآن ذي الذكر إنه لمعجز ،ثم قال: بل الذين كفروا في عزّةٍ واستكبارٍ عن الإذعان لذلك ،والاعتراف بالحق وشقاقٍ لله ورسوله »