بعض أحوال نساء النبي صلى الله عليه وسلم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 1 ) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( 2 ) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ( 3 ) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ( 4 ) عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ( 5 )}
/م1
المفردات:
تحرّم: تمتنع
ما أحل الله: العسل ،أو مارية القبطية .
تبتغي: تطلب .
التفسير:
1-{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
هناك روايتان في سبب نزول هذه الآية:
الرواية الأولى:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحفصة بنت عمر: لقد حرّمت مارية على نفسي .استرضاء لها ،لأن حفصة كانت في زيارة أبيها ،وجاءت مارية القبطية من عوالي المدينة ،فدخلت في بيت حفصة ،فلما جاءت حفصة أخبروها بأن مارية في حجرتها ،فتغيّظت من ذلك ،وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أراك إلا أعرست بها على سريري ،وما كنت تفعلها لولا هواني عليك ،فقال صلى الله عليه وسلم لحفصة:"إني حرّمت مارية على نفسي فاكتمي علي ".لكنّ حفصة أخبرت عائشة بذلك ،وكانتا متصادقتين ،فعاتبهما الله تعالى .
الرواية الثانية:
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على زينب فشرب عسلا ،فاتفقت عائشة وحفصة إذا دخل على واحدة منهما أن تقول له: نشمّ منك رائحة مغافير – وهو طعام حلو كريه الريح – فلما قالتا له ذلك ،قال صلى الله عليه وسلم:"شربت عسلا عند زينب ،ولن أعود إليه "،وحلف فنزلت:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ...}
وذكر العلماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما وقع منه الأمران: تحريم مارية ،وبعد فترة قريبة حرّم العسل على نفسه ،فنزلت الآية عقب الأمرين جميعا .
والإمام الطبري يذكر أن المستفاد من الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرّم على نفسه شيئا ما قد أحله الله له ،فحرّمه على نفسه تطييبا لخاطر نسائه ،لكن الله تعالى لامه على ذلك ،وأحلّ له العدول عن اليمين ،والاستمتاع بهذا الحلال .
وقد يكون ما حرّمه على نفسه هو مارية القبطية ،وقد يكون العسل ،وقد يكون غير ذلك .1 . ه .
فعاتبه الله تعالى على ما بدر منه ،رفقا به ،وتنويها بقدره ،وإجلالا لمنصبه صلى الله عليه وسلم ،أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشقّ عليه ،مع أنه أنف لطف الله به .
ومعنى الآية:
يا أيها النبي الموحى إليك ،الذي فضله الله ،وختم به الرسل ،لِمَ تحرِّم على نفسك ما أحله الله لك ،مثل العسل ،أو مارية القبطية ،تبتغي بذلك مرضاة عائشة وحفصة ،والله غفور رحيم ،يغفر لك ويرحمك برحمته الواسعة .
ونلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن حرّم العسل أو مارية ،بمعنى التحريم الشرعي ،وإنما كان قد قرر حرمان نفسه من العسل أو من مارية ،فجاء هذا العتاب بأنّ ما جعله الله حلالا ،لا يجوز حرمان النفس من عمدا وقصدا ،إرضاء لأحد .