قوله تعالى:{ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ( 105 ) فيذرها قاعا صفصفا ( 106 ) لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ( 107 ) يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمان فلا تسمع إلا همسا ( 108 ) يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمان ورضي له قول ( 109 ) ا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما ( 110 ) وعنت الوجوه للحي لقيوم وقد خاب من حمل ظلما ( 111 ) ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ( 112 )} .
هذه صورة شاخصة مثيرة تتجلى فيها أحداث القيامة الجسام وأهوالها الفظيعة العظام .القيامة بفظائعها وقواصمها ودواهيها المريعة تتبدى للذهن والخيال من خلال هذه الكلمات الربانية المذهلة ،على طريقة القرآن في أسلوبه العجيب المصور وعباراته وألفاظه الندية النفاذة ،وحروفه المميزة العذاب ذات الإيقاع الموحي والجرس الشجي بما يثير في نفس المتدبر البصير مزيجا من إحساسات فياضة شتى من البهجة والارتياع والوجوم والذعر في آن .كل ذلك تثيره هذه الآيات الحافلة العجاب في خيال القارئ المدّكر وهو يرددها مرات ومرات فلا يعتريه مَلال ولا سآمة .وليس أدل من ذلك على أن القرآن يفوح منه سرّ مستعذب يدركه القارئ الخبير فيستيقن أنه معجز وأنه من لدن إله حكيم .قوله: ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ) سألوا رسول الله ( ص ) عن حال الجبال ؛يوم القيامة وما يُصنع بها ،وقيل: إن سألوك عن الجبال .فقد علم الله أنهم يسألونه عنها فأجابهم الله ( ينسفها ربي نسفا ) النسف ،معناه القلع من الأصل .ونسف الجبال ؛أي دكها دكا وذرّاها{[2993]} .والمراد: أن الجبال يقلعها الله يوم القيامة من أصولها ثم يصيّرها رملا تذروه الرياح ثم تصير بعد ذلك كالعهن المنفوش وهو الصوف فتطيره الرياح في كل جهة ومكان .