قوله تعالى: ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) .
الاصطفاء معناه الاختيار .اصطفاهم أي جعلهم صفوة خلقه .وقد بينت هذه الآية المذكورين وعلو شأنهم ومكانتهم من بين العالمين .على أن المقصود بالاصطفاء فيه قولان: أحدهما: اصطفاء الدين .ففي الكلام محذوف .أي أن الله قد اصطفى دين آدم ودين نوح ،وثانيهما: أنه اصطفى آدم نفسه وكذا نوح .واصطفى آل إبراهيم وآل عمران .لقد اصطفى الله هؤلاء أي صفاهم من الصفات الذميمة وزينهم بالخصال الحميدة ،وهو ما نميل إليه .
أما اصطفاء آدم فكان لما يتجلى فيه من مزايا وهي: أولا: أن الله خلقه بيده في أحسن صورة .وثانيا: أن الله علمه الأسماء كلها .وثالثا: أنه أمر الملائكة بالسجود له .ورابعا: أنه أسكنه الجنة .وخامسا: أن الله جعله أبا البشر .
أما اصطفاء نوح فإنه لما يتجلى فيه من مزايا ،منها: أنه جعله أبا البشر بعد آدم ؛وذلك أن الناس كلهم- باستثناء من في السفينة- قد غرقوا وصار ذريته هم الباقين ومنها: إن الله حمله على السفينة فنجا ومن معه وهلك الباقون .
ومنها: أن الله استجاب دعاءه على الكافرين لما لجوا في كفرهم وطغيانهم حتى طال عليهم الأمد وهم على حالهم من الشرك والعتو وعبادة الأصنام فأغرقهم الله عن آخرهم ولم ينج منهم إلا من اتبع نوحا على دينه .
وقوله: ( وآل إبراهيم وآل عمران ) ثمة أقوال في تأويل ذلك .فقد قيل: آل إبراهيم وآل عمران هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران .وقيل: آل إبراهيم يعني إبراهيم نفسه .وكذا آل عمران يعني عمران نفسه ،وقيل: المراد بعمران أبو موسى وهارون ؛إذ فضلهما الله بكثير من العطايا كالمن والسلوى وغيرهما .وقيل: عمران أبو مريم .فقد اصطفى الله مريم بولادة عيسى من غير أب وليس لأحد في العالمين .