قوله: ( ذرية بعضها من بعض ) ( ذرية ) منصوب على الحال وذرية من الذر وهو النسل .والذرية هم صغار ،وتكون الذرية واحدا وجمعا .وفيها ثلاث لغات أفصحها ضم الذال ،والثانية كسرها .والثالثة فتحها مع تخفيف الراء .وتجمع على ذريات وذراري{[450]} .وإنما جعل بعضهم من بعض في بعضهم في التناصر والموالاة في الدين والمؤازرة على الإسلام والحق .وذلك كقوله تعالى: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) وقوله أيضا: ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ) أي أن دينهم واحد وطريقتهم واحدة وهم في الضلالة مؤتلفون .
وعلى هذا فقوله: ( ذرية بعضها من بعض ) معناه: ذرية ،دين بعضها دين بعض ،وكلمتهم واحدة وملتهم واحدة في توحيد الله وطاعته .وأوهم بعضهم من بعض في النية والعمل والإخلاص والتوحيد .
وقوله: ( والله سميع عليم ) يحتمل معنيين ،أحدهما: أنه يعلم من يصلح للاصطفاء من الناس تبعا لاستقامة أقوالهم وأعمالهم .
ثانيهما: أنه سميع بقول امرأة عمران عليم بنيتها{[451]}إذ قالت ما في الآية التالية وهي: قوله تعالى: ( إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) موضع ( إذ ) من الأعراب جاء فيه أقوال كثيرة منها أنها زائدة ،( امرأة عمران ) هي أم مريم كانت لا تحمل فرغبت أن يكون لها ولد كغيرها من النساء ،فدعت ربها أن يهبها ولدا فاستجاب لها .فلما حملت به نذرت أن يكون مولودها محررا لله .أي خالصا مفرغا للعبادة لخدمة بيت المقدس .وهذا مقتضى قوله: ( إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ) ( محررا ) منصوب على الحال .وتدعو امرأة عمران ربها على أنه السميع العلي ،أي السميع لدعائي العليم بنيتي .