ولقد بين الله سبحانه بعد ذلك تسلسل هذه الصفوة المختارة بعضها من بعض فقال:{ ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم}:
الذرية هم الفروع من الأولاد وأولادهم مهما نزلوا ،وأصلها من مادة"ذرأ"وقيل منّ الذرو"وقيل من ّالذر"،وكل هذه الألفاظ تنتهي إلى التكوين والتفريع فرعا من بعد فرع ؛ومعنى النص الكريم ان أولئك المصطفين الأخيار بعضهم ذرية من بعض ،فهم متصلوا النسب بسلسلة لا تنقطع ؛فنوح من ذرية آدم ،وآل إبراهيم من ذرية نوح ،وآل عمران من ذرية آل إبراهيم ،وهكذا ،فهي سلسلة متصل بعضها ببعض في النسب والهداية .ويترتب على ان بعضهم من بعض ان تتشابه صفاتهم في الخير والفضيلة ما داموا جميعا مصطفين ،وما داموا جميعا من سلسلة ونسبة واحدة .وقد قال بعضهم عن معنى{ ذرية بعضها من بعض}أنهم متشابهون ،كقوله تعالى:{ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض . . .67}[ التوبة]فهم يشبه بعضهم بعضا ،وهم ذرية واحدة لآدم .والحق ان ذلك المعنى يجئ بالالتزام من المعنى الأول فليس مغايرا له من كل الوجوه .
ثم ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله:{ والله سميع عليم}إشارة إلى كمال إحاطته ،وإلى أنه إذ اصطفى هؤلاء اصطفاهم على علم كعلم من يسمع ،أي انه علم دقيق لا يخفى على الله شئ في الأرض ولا في السماء ،وإن ذلك النص الكريم فيه تمهيد لما سيتلى من بعد ،وهو قول امرأة عمران ،فقد قال تعالى حاكيا عنها:{ وإذ قالت امرات عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك انت السميع العليم}