قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} .
ذلك تهديد من الله ووعيد للمجرمين من الناس الذين يؤذون الله بالكفر به ووصفه بما لا يليق به ،كنسبة الشريك أو الولد أو الصاحبة إليه .
ومن إيذائه سبحانه ،مخالفة أوامره وارتكاب زواجره ونواهيه ،ومجانبة شرعه ومنهجه للبشرية .فإن مجانبة شرع الله والإصرار الغاشم على مخالفة الإسلام واجتناب تعاليمه وأحكامه وتصوراته واستبدال ذلك كله بغيره من ملل الكفر والجحود والإباحية والإلحاد – كل ذلك إيذاء لله سبحانه وإعلان صريح للحرب عليه .وهذه غاية الاجتراء الكنود والتوقّح البشع الذي يتلبس به عصاة البشرية وفسّاقها ،وهم يولون جامحين مدبرين عن دين الإسلام ثم يكيدون له بالغ الكيد ،ويمكرون به وبأهله في الليل والنهار غاية المكر .
وكذلك يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل وجوه الأذية من القول أو الفعل .فقد أذوه بالفعل ،إذ كسروا رباعيته وشجعوا وجهه في أحد ،وفي مكة ألقوا سلى الناقة على ظهره وهو ساجد .
وأما الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأقوال فذلك كثير ومذهل وشنيع والحديث عنه تفصيلا يطول .فلقد مَرَدَ الظالمون في بدايتهم الأولى على التقوّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،زورا بأنه: ساحر ،كاهن ،كذاب ،وأنه مجنون .وهي افتراءات سقيمة ومكشوفة لفرط سذاجتها ووضوح كذبها فهي بذلك لا تستعصي على استخفاف المستخفين واستسخارهم .
لكن الظالمين في الأزمنة المتعاقبة قد انتحوا مناحي أشد براعة في الخداع والتخريص ،إذ غالوا في الطعن في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سيرته العطرة الفضلى .فقد افتروا عليه بمختلف المطاعن المكذوبة والأباطيل المقبوحة ما يكشف عن مدى الكراهية المركومة التي تستقرّ في قلوب الظالمين في كل زمان .
لقد افترى الأفاكون والدجاجلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واصطنعوا من الأكاذيب والشبهات والترهات ما يشير إلى أنهم موغلون في الضلالة والجهالة .وأنهم مستغرقون في الاضطغان وهوان العقول .وهم ما فتئوا سادرين في ضلالهم وغيهم طيلة حياتهم حتى يموتوا بغيظهم من غير أن ينالوا من شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سمو منزلته أي منال .ولا تزداد ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرط الكيد من الظالمين الحاقدين وافترائهم عليه إلا رسوخا في أعماق الزمن ،واستقرارا في قلوب المسلمين حيثما كانوا .
وهؤلاء الذين يؤذون الله ورسوله قد{لعنهم الله في الدنيا والآخرة} اللعن ،معناه الطرد والإبعاد من الخير{[3773]} .لقد أبعد الله هؤلاء الظالمين الخاسرين من رحمته ،وحجب عنهم كل ظواهر الخير والفضل ليكونوا مع التاعسين الأشقياء في الدنيا والآخرة .
قوله:{وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} إنهم صائرون إلى ما أعده الله لهم من العذاب الوجيع في النار وبئس القرار{[3774]} .