وقوله: ( ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شيء محيطا ) ذلك بيان قاطع وكبير من الله جلّت قدرته بأنه مالك كل شيء في السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن .فالخلق والكائنات جميعا قبضته وبين يديه .ولعل في ذلك إشارة لاتخاذه إبراهيم خليلا ؛كيلا يسأل واهم عن حاجته لمثل هذه الخُلّة .وهي ليست خلة الصديق للصديق كالذي عليه الناس ولكنها مرتبة قاصية سامقة في التقرّب والإكرام ،ذلك أن الله غني عن صداقة أحد وأعوانه فهو الذي يملك كل شيء بما في ذلك الخلائق والأحياء والأجرام وما تناثر في أرجاء الكون الهائل المخوف من أشياء وكائنات .
قوله: ( وكان الله بكل شيء محيطا ) إنه سبحانه منذ الأزل الغائر في القدم وفي الأبد الممتد الأبيد لهو محيط بكل شيء .وإحاطته تتضمن علمه المطلق غير المحدود وهيمنته الغامرة المستحوذة ،فهو سبحانه عليم بما كان وما سيكون وما لم يكن بعد ،وهو لا يندّ من علمه خبر من أخبار السماوات والأرض أو أخبار الأحياء والأموات أو أخبار الأولين والآخرين ،سواء في دنيا الفناء أو دار الآخرة حيث الديمومة والبقاء .وهو كذلك مهيمن على الوجود وما فيه بماله من قدرة متسلطة قد بسطها على الخليقة كافة .كل ذلك نتلمسه من كونه محيطا بكل شيء كما جاء في الآية ،والإحاطة لفظة معبّرة أو في التعبير لا نتصوّر لفظة أخرى تعطي مدلولا مثل ما لها من مدلول .وتلك واحدة من روائع القرآن في التعبير بما يقطع أنه معجز وأنه من طريق الوحي{[841]} .