قوله تعالى:{لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن راد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير} هذا إعلان صارم مجلجل لا يحتمل المداهنة أو المواربة أو اللين .إعلان هادر مكشوف بأن الذين تلبسوا بدعوى الإلهية للمسيح كافرون سواء فيهم المبتدعون السابقون في هذه الضلالة الذين اختلقوا هذه الفرية العظمى أو الأتباع الذين جاؤوا من بعدهم فاتبعوهم تقليدا بغير علم ولا حجة ولا منطق سليم .وفي هذا الصدد روي عن محمد بن كعب القرظي أنه لما رفع عيسى عليه الصلاة والسلام اجتمع طائفة من علماء بني إسرائيل فقالوا: ما تقولون في عيسى عليه الصلاة والسلام ؟فقال أحدهم: أو تعلمون أن أحدا يحيي الموتى إلا الله ؟فقالوا: لا .فقال: أو تعلمون أحدا يبرئ الأكمه والأبرص إلا الله تعالى ؟قالوا: لا .قالوا: فما الله تعالى إلا من هذا وصفه .أي حقيقة الإلهية فيه{[924]} .
ويستوي في الكفران من هذى بنسبة الإلهية للمسيح ،أو قال إنه خليقة مزدوجة من اللاهوت والناسوت أو غير ذلك من الهذيان السقيم المحموم .والحقيقة الناصعة الساطعة البلجة أن عيسى المسيح واحد من عباد الله المخاليق ،ذرأه الله من غير أب ،وأمه النقية ،التقية البتول ،المرأة المفضلة المثلى سيدة نساء العالمين عليها السلام .
قوله:{قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا} الفاء في قوله:{فمن} عاطفة من أداة استفهام للإنكار والتوبيخ .ويملك بمعنى يقدر أو يستطيع .والمعنى: قل لهم يا محمد مبكتا: من ذا الذي يقدر أن يمنع من قدرة الله ومشيئته شيئا إن أراد الله أن يهلك المسيح وأمه والعالمين كافة ،فلو كان المسيح إلها كما تزعمون لرد الموت عن أمه أو غيرها .فليس المسيح إلا عبدا من عباد الله المصطفين الأخيار وكفى{[925]} .
قوله:{ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما} الله مالك كل شيء فما في الكون الواسع الرحيب من أشياء وخلائق ظاهرة وباطنه إلا وهي من خلق الله وتحت قهره وفي ملكوته .ومن جملة ذلك كله المسيح ابن مريهم .فهو واحد من الأناسي في هذا الوجود الذي يحيط به علمه وقدرته .فهل يليق بعد ذلك بذي لب أن يصدق اصطناع الألوهية للمسيح .لا جرم أن هذا الزعم هراء .بل إنه افتراء ظالم وممجوج .
قوله:{يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير} وذلك كخلق عيسى من غير أب ،وخلق آدم من غير أم ولا أب بل من تراب .وما يجري في هذه الدنيا من معجزات أو ظواهر خارقة للقوانين الكونية كخلق الطير من الطين وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص .فإن ذلك كله من خلق الله وتدبيره فهو القادر أن يفعل ما يشاء{[926]} .