قوله:{ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل ءالذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} ذلك تفصيل لتمام الأزواج الثمانية .والكلام في تأويل{من الضأن اثنين ومن المعز اثنين} نظيره هنا .وجملة ذلك أن المشركين الجاهلين كانوا يقولون:{ما في بطون هذه الأنعم خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} وكذلك حرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحام .فقد كانوا يحرمون بعضها على الرجال والنساء وبعضها على النساء دون الرجال .فلما أن جاء الإسلام وتبينت فيه الأحكام جادل المشركون النبي صلى الله عليه وسلم: إذ قالوا: يا محمد بلغنا أنك تحل أشياء مما كان آباؤنا يحرمونه فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:"إنكم قد حرمتم أشياء على غير أصل وإنما خلق الله هذه الأزواج الثمانية للأكل والانتفاع بها فمن أين جاء هذا التحريم ،من قبل الذكر أما من قبل الأنثى ؟"فسكت كبير المشركين ،الناطق باسمهم وهو مالك ابن عوف الجشمي ،وتحير ولم يتكلم .فلو قال: جاء هذا التحريم بسبب الذكور وجب أن يحرم جميع الذكور .ولو قال بسبب الأنوثة وجب أن يحرم جميع الإناث .وإن كان باشتمال الرحم عليه فيجب أن يحرم الكل ،لأن الرحم لا يشتمل إلا على ذكر أو أنثى .
قوله:{أم كنتم شهداء إذ وصكم الله بهذا} أم للاستفهام الإنكاري .وهي بمعنى بل والهمزة .أي بل أكنتم شهداء .يعني حاضرين مشاهدين إذ وصاكم الله بهذا التحريم .والمراد تبكيتهم وتقريعهم وإظهار سفاهتهم وخفة أحلامهم وطيش تفكيرهم السقيم .
قوله:{فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغيرعلم} أي ليس من أحد أظلم ممن كذب على الله فنسب إليه تحريم ما لم يحرمه افتراء عليه ولم يقتصر ظلمه على افتراء الكذب على الله ،بل تجاوز ظلمه هذا حتى أضل غيره من الناس فسن لهم هذه السنة الضالة وأغواهم بفعل ما لم ينزل به الله سلطانا .
قوله:{إن الله لا يهدي القوم الظلمين} إن الله لا يكتب هدايته لمن فسد طبعه ومال عن الحق واتبع هواه وأضل الناس بغير علم أو برهان أولئك هم الظالمون الذين فتنوا الناس عن دينهم وأفضوا بهم إلى الفسق والكفران{[1301]} .