( وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُالانثيين ) .
هذه هي أربعة الأزواج بعد الأربعة الأولى فتكون عدتها ثمانية قال تعالى:( قل الذكرين حرم أم الأنثيين ) أحرم الفحل من الإبل والثور من البقر أم حرم الأنثيين من الأربعة فحرم الناقة من الإبل والبقرة من البقر ، فإن كان التحريم للذكرين يشمل الذكور كلها ، فإن التحريم على الإناث شمل الإناث كلها . أما وقد حرمتم بعضها دون بعضها فإنه لا يمكن التحريم لأمر ذاتي فيها ، ولا لامر نقلي فلا دليل من عقل ولا نقل .
وإذا كان التحريم للمواليد كلها ذكورا وإناثا ، وهي ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين فانه بمقتضى عموم القول . يكون التحريم لجميع المواليد من البقر والإبل ولكنكم تحرمون بعضها دون بعض . فلا يمكن أن يكون التحريم لخبث فيها ، لأن الخبث إن كان سبب التحريم فهو يعم ولا يخص فلا يمكن أن يكون التحريم بسبب في ذاتها ولا لنقل نقلتموه وإن ادعيتم ذلك فأنتم تكذبون على الله في ذلك ولا دليل عندكم على التحريم من قبل الله ، بل هو اتباع الشيطان وتزيينه لكم ، حتى صار ذلك هواكم وغلبتكم الأوهام ولذا قال تعالى:
( أم كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا ) طالبهم الله تعالى أن يأتوا بعلم يقيني جازم من النقل يدل على تحريم ما حرموه ، وقد جاءت النصوص بإباحة الجميع ، ثم عدل متهكما عليهم بان ذكرهم بأنهم قد يدعون أنهم شاهدوا وعاينوا ، لذلك قال تعالى:( أم كنتم شهداء ) و ( أم ) فيها معنى الإضراب عما طلب اولا ، ثم ذكر أنهم قد يدعون انهم كانوا حاضرين إذ وصاهم الله تعالى والله علم من وصى بهذا وهذا تهكم عليهم ، فإنهم ينكرون الوحي ، ولا يدعونه لأنفسهم أنهم أوحي اليهم ولكنها وسوسة الذي أوجد فيهم أوهاما زينت لهم ما فعلوا . وهكذا نجد النص القراني سلك سبيل الاستقراء والسير والتقسيم فاستقرا معهم سبب التحريم وإن كان الذكورة فهي تعم الذكور وغن كان الأنوثة فهي تعم الإناث ، وإن كانت الولادة فهي تعم المواليد ، ولكنهم يخصون ، فطالبهم بدليل من علم ، فما عندهم ، فسالهم أهم عاينوا ووصاهم الله فهم بلا ريب كاذبون وهذه هي نتيجة الاستدلال فهم كاذبون على الله تعالى ولذا قال سبحانه بعد ذلك:( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ) .
الفاء لترتيب ما بعدها على معنى ما قبلها ، والمعنى إذا كانوا قد كذبوا على الله تعالى وادعوا أن الله حرمها ، فهم ظالمون مفترون ومن اشد ظلما ممن يفتري على الله كذبا ليضل الناس ، ومن استفهامية وهي لإنكار الوقوع إذ معناه لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا أي قصد الكذب على الله تعالى بادعاء أن الله تعالى حرم بعض ما رزقهم الله ، وهو لم يحرم ، وفي ذلك مع النفي توبيخ لهم ، لانهم فعلوا ما استنكر اشد الاستنكار وإن ظلمهم مركب من أمرين أولا لأنهم كذبوا على الله وقصدوا الكذب والثاني أنه أضل الناس بهذا الكذب على الله فقال إنه تحريم من الله وليس من الله في شيء إلا أوهامهم الضالة .
وذلك الظلم والإضلال أوضح ما يكون في كبرائهم الذين أضلوا ضعفاءهم وقد ختم الله سبحانه الآية بقوله تعالى:
( إن الله يهدي القوم الظالمين ) إنه سبحانه وتعالى بعد أن بين ظلمهم في تحريم ما أحل الله تعالى لهم ، وجعلوا ما رزقهم سبحانه منه حلالا ومنه حراما ، وظلمهم في الكذب على الله تعالى بادعاء ان التحريم كان بأمره وظلمهم للناس ، بإضلالهم بغير علم ، ذكر سبحانه قضية عامة وهي إن الله لا يهدي الظالمين لأن الظالم إذا سلك سبيل الظلم والتضليل استمرأه واستطال على الناس ، وركبه الطاغوت ، وأظلمت نفسه ، وأصاب قلبه ظلام لا نور فيه ، فلا يهتدي ولا يرعوى وقد بين الله تعالى وأكد أن الظالمين لا يهتدون فقال:( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) وقد أكد ذلك الجملة الاسمية ، و ( ان ) وبنفي الهداية عن القوم الظالمين وكان نفي الهداية من الله تعالى عن القوم الظالمين لأنهم بسيرهم في طريق الظلم قد سدوا باب الهداية عن أنفسهم وذكر سبحانه نفى الهداية عن القوم الظالمين دون أن ينفيه هنا عن الواحد للظالمين لأن الظالمين يعاون بعضهم على الظلم فيتكون منهم رأى عام ظالم يبرر الظلم ويرتضيه ويشجع عليه ، ويتعاونون فيه على الاثم والعدوان بدل البر والتقوى والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم .