ولقد أخذ سبحانه وتعالى يبين ضلالهم فيما يحرمون على أنفسهم بوسوسة الشيطان وينقض زعمهم فقال:
( ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 143 وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 144 ) .
نهى الله تعالى بالنسبة لما رزق الله تعالى ، المكلفين أن يتبعوا خطوات الشيطان وما يزينه للذين يفتحون قلوبهم لوسوسته وآذانهم لسماع دعاته وأتباعه وقد زين لهم أن يحرموا بعض الثمرات والزروع ويجعلون جزءا لله ، وجزءا لأوثانهم وتطيش فيعتدون على ما جعلوه لله ، ويحمون ما جعلوه لأوثانهم وحرموا بعض الأنعام حرموا الوصيلة والسائبة والحام والبحيرة وقد بينا ما يريدون من هذه الألفاظ من مسميات في موضعها في سورة المائدة في ربع ( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس ) عند الكلام في معنى قوله تعالى:( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام . . .103 ) ( المائدة ) وفي هذه الآية وما بعدها يبين الله تعالى أنه لا سند من عقل ولا نقل جعل بعض هذه الأنعام محرما فقال تعالى
( ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ ) .
( ثمانية أزواج ) عطف على ( أنشأ ) أو مفعول لفعل محذوف وإذا كان التأويل فهي منصوبة والأزواج جمع زوج يطلق على كل فرد يقابله فرد آخر ، ويقال واحد منها زوج ، ويقال لمجموعها زوج ، وعد الله تعالت كلماته ثمانية:اثنان من الضأن ذكر وأنثى واثنان من الماعز ذكر وأنثى واثنان من الإبل فحل وناقة واثنان من البقر ثور وبقرة والضأن ذكره كبش وأنثاه نعجة والماعز ذكره تيس أو جدى وأنثاه معزة .
فهذه هي ثمانية أزواج عدا وقد سلك القرآن في احتجاجه عليهم مسلك الجمع والإفراد فبين أن التحريم في الرزق يكون لخبث في ذاته اقتضى تحريمه وأن التحريم يكون من الله تعالى مانح الأرزاق والوجود وقد ادعوا تحريمهم لما حرموا بوسوسة الشيطان أنه من الله تعالى متتبعا تحريمهم فقال تعالى:( الذكرين حرم أم الأنثيين ) أي كل زوج من المحرمات حرم الذكرين منها كالكبش والجدى فتحرم الذكور كلها ، ولكنكم لم تحرموها كلها ، بل خصصتم بعضها ، ( أم الأنثيين ) منها فحرم النعجة والمعزة وكان يجب أن تحرم كل الإناث ولكنكم حرمتم بعضها وتركتم الآخر وعلى ذلك لا يكون التحريم بسبب في ذاتها أو ما اشتملت أرحام الأنثيين أي المواليد ذكورا وإناثا فيحرم الجميع ، لكن خصصتم فلا يكون سببه التحريم لذاتها ولا بسبب من النقل فبينوا ما اعتمدتم عليه من العلم إن كنتم صادقين ولذا قال تعالى:
( نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ) .
وإنه بعد البيان الصادق الذي ذكر أولا ، يكون قوله تعالى:( نبئوني بعلم ) من قبيل التهكم بهم إذ لا دليل عندهم وطلبه بعد بطلان وجوده تهكم به أو تعجيز لهم ، والعجز عن إقامة الدليل في وقت الاحتجاج تسليم بالمدعى بحكم المنطق المستقيم والتفكير القويم .
وقوله تعالى:( إن كنتم صادقين ) التعليق ، ب ( ان ) فيه إشارة على أنهم لا صدق عندهم وأنهم يفترون على الله تعالى فيما يدعون وقوله تعالى:( نبئوني ) النبأ الخبر العظيم وهذا عظيم في زعمهم