)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) ( البقرة:161 ) ) خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ) ( البقرة:162 )
التفسير:
الآيتان قبلها في العلماء الذين كتموا الحق ؛وهذه في الكفار الذين استكبروا عن الحق .
قوله تعالى:{إن الذين كفروا}: «الكَفْر » في اللغة بمعنى الستر ؛ومنها كُفُرَّى النخلأي وعاء طلعهلستره الطلع ؛والمراد بالكُفر في القرآن والسنة: جحد ما يجب لله سبحانه وتعالى من الطاعة ،والانقياد ؛وهو نوعان: إما تكذيب ؛وإما استكبار .
قوله تعالى:{وماتوا وهم كفار} معطوفة على{كفروا} فلا محل لها من الإعراب ؛لأنها معطوفة على صلة الموصول التي لا محل لها من الإعراب ؛وجملة{وهم كفار} حالية من الفاعل في{ماتوا}؛يعني أنهموالعياذ باللهاستمروا على كفرهم إلى الموت ،فلم يزالوا على الكفر ،ولم يتوبوا ،ولم يرجعوا ؛وخبر{إن} جملة{أولئك عليهم لعنة الله}:{أولئك} مبتدأ ثانٍ ؛و{عليهم} جار ومجرور خبر مقدم ل{لعنة}؛و{لعنة} مبتدأ ثالث ؛والجملة من المبتدأ الثالث ،وخبره خبر المبتدأ الثاني:{أولئك} ؛والجملة من المبتدأ الثاني ،وخبره خبر{إن} .
وقوله تعالى:{لعنة الله} أي طرده ،وإبعاده عن رحمته ؛{والملائكة} أي ولعنة الملائكة ؛والملائكة عالم غيبي خُلِقوا من نور ؛وهم محجوبون عن الإنس ؛وربما يرونهم إما على الصورة التي خلقوا عليها ،كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته التي خلِق عليها له ستمائة جناح{[223]} قد سد الأفق{[224]} ؛وإما على صورة أخرى ،كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورة دحية الكلبي{[225]} ؛وهم عباد لله عزّ وجلّ لا يستكبرون عن عبادته ،ولا يستحسرون ؛يسبحون الليل والنهار لا يفترون ؛لا يأكلون ،ولا يشربون ؛صُمْدٌ - أي لا أجواف لهم ؛والملائكة عليهم السلام لهم وظائف ،وأعمال خصهم الله سبحانه وتعالى بها ؛فإسرافيل ،وميكائيل ،وجبريل موكلون بما فيه الحياة ؛ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح صلاة الليل بقوله: «اللهم رب جَبرائيل وميكائيل وإسرافيل ...»{[226]} الحديث ؛لأن هؤلاء الثلاثة موكلون بما فيه الحياة ؛والبعث من النوم حياة ؛ولهذا ناسب أن يكون هذا الاستفتاح في أول عمل يعمله الإنسان بعد أن توفاه الله عزّ وجلّ بالنوم ؛وهؤلاء الثلاثة أحدهم مكلف بما فيه حياة القلوب - وهو جبريل - والثاني بما فيه حياة الأبدان - وهو إسرافيل - والثالث بما فيه حياة النبات - وهو ميكائيل - وأفضلهم جبريل - ولهذا امتدحه الله عزّ وجلّ بقوله تعالى:{إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين} [ التكوير: 19 ،20] ،وبقوله تعالى:{فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً} [ مريم: 17]؛فجبريل أفضل الملائكة على الإطلاق .
قوله تعالى:{والناس أجمعين} أي عليهم لعنة الناس أجمعين ؛يلعنهم الناسوالعياذ بالله ،ويمقتونهم ولا سيما في يوم القيامة ؛فإن هؤلاء يكونون مبغضين عند جميع الخلق ؛فهم أعداء الله سبحانه وتعالى .
/خ162