الوحدانية والوثنيون
بعد أن أنهى الله تعالى موضوعات أهل الكتاب في هذا الموضع من القرآن ، وقد كان فيهم كفران النعم ، والنفاق وكثرة العدوان والفساد في الأرض ، والعبث بالأحكام ، والاستهزاء بآيات الله تعالى ، بعد ذلك أخذ يبين أقوال الوثنيين وإثبات وحدانية الله تعالى ، وابتدأ القول في بيان حال الكفار من المشركين وأهل الكتاب الذين ماتوا على الكفر ، فقال تعالى:{ إن الذين كفروا وماتوا وهم . . .}
ذكر بعض العلماء أن موضوع الآية الكريمة كفار مكة الوثنيون قبل أن يدخلوا في الإسلام ، بدليل الكلام بعد ذلك في الوثنية والوثنيين ، وبيان الوحدانية ودليل التوحيد من خلق الكون .
ونحن نرى أن وصف الكفار يعم المشركين والكتابيين ، فالكتابيون كافرون كما قال تعالى:{ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين . . . 1} [ البينة] ولقوله:{ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة . . . 73} [ المائدة] ولقوله تعالى:{ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون 29} [ التوبة] .
وهذه أوصاف الكفار ، لأنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ، فهم داخلون في وصف الكفار ، والكفر كله ملة واحدة ، فلا تفاوت فيهم ، ولا فضل لكافر على كافر وليس كفر دون كفر ، بل جميعهم في الجحيم على سواء .
وقد حكم الله تعالى عليهم الحكم الأبدي ، إذا ماتوا على الكفر مصرين عليه بعد أن بلغوا بالرسالة فكفروا بها ، وماتوا على الكفر بها جاحدين معاندين منافرين معذبين الضعفاء ، ومثيرين للبغضاء والأحقاد ، حكم الله تعالى عليهم بقوله عز من قائل:{ أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين} لعنة الله تعالى إبعادهم من رحمته ، وألا ينظر إليهم نظرة رضا ، ومن تكون حاله كذلك يكون في النار خالدا فيها ، ولعنة الملائكة تعذيبهم لهم بأمر الله تعالى ، وإبعادهم عن رحمته ، ولعنة الناس بنبذهم ، والدعاء عليهم .
وهنا أمران بيانيان نشير إليهما ونجمل ولا نفصل:
أولهما –أن الإشارة في قوله تعالى:{ أولئك عليهم لعنة الله} تعود على الكفار الذين ماتوا مصرين على الكفر قد بلغتهم دعوة الله ، وكما قلنا ونكرر الإشارة إلى موصوف فيه إشارة إلى أن علة الحكم الوصف ، وهو موتهم على الكفر بعد البيان والإنذار الشديد ،{. . . وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا 15} [ الإسراء] .
الثاني- أن الله تعالى ذكر في بيان عذابهم أن عليهم اللعنة ، أي أن اللعنة تنصب على رءوسهم انصبابا وتحيط بهم من فوق رءوسهم وعن أيمانهم ، وعن شمائلهم ، فهم بعداء عن رحمته ، وعليهم غضب الله وملائكته والناس أجمعين ، وإن تلك اللعنة تنالهم بسبب موتهم على الجحود والإصرار على الكفر .
وقد أثار الناس جدلا موضوعه هل تجوز لعنة الكافر وهو حي ، فناس لم يجيزوها ، لأنه يجوز أن يتوب الله تعالى عليه ، وجواز اللعنة إنما كانت على الكفار الذين ماتوا على الكفر ، ومن كان حيا ترجى توبته ، أو تجوز توبته .
ومن العلماء من أجاز اللعنة على الحال التي هو عليها ، وخصوصا إذا كان ممن يؤذون صاحب الدعوة ، ويروى في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن عمرو بن العاص ، وهو على الكفر ، فيروى في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( اللهم إن عمرو بن العاص هجاني وقد علم أني لست بشاعر ، فالعنه واهجه عدد ما هجاني ) .
وقد اتفق أهل العلم على أن اللعن الذي ذكرته هذه الآية عقاب من الله تعالى ، وغضب على الكافر ، وجزاء له كجزاء جهنم .
وأكثر العلماء على أن لعن المسلم لا يجوز ولو كان عاصيا ، لأنه يخزيه ويذله ، وخزيانه وذله يقربه من الشيطان ويجعل للشيطان مدخلا في نفسه ، يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتي بشارب خمر مرارا ، فقال بعض من حضره:لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به ، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:( لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم ){[137]} .