{ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين} تقدم في الآية السابقة استحقاق اللعن للكافرين بكتمان الحق ، واستثنى منهم الذين يتوبون ثم ذكر في هذه الآية وما بعدها بيان أولئك اللاعنين وشرط استحقاق اللعن الأبدي عليهم الذي يلزمه الخلود في دار الهوان ، وهو أن يموتوا على كفرهم فأولئك تسجل عليهم اللعنة ويخلدون فيها لا تنفع معهم شفاعة ولا وسيلة .قال بعض المفسرين:إن المراد بالناس هنا المؤمنين كأن غيرهم ليسوا من الناس ، وحجتهم أن حمله على ظاهره وهو العموم لا يصدق على أهل دين أولئك الكفار ومذاهبهم فإنهم لا يلعنونهم .
قال الأستاذ الأمام:وهو احتجاج ضعيف ، فإن أهل مذاهبهم إذا كانوا لا يلعنون الأشخاص الذين يعرفونهم منهم ، فهم إذا شرحت لهم أحوالهم في كفرهم وإصرارهم على غيهم ، وإعراضهم عن سعادتهم ، وحال الداعي إلى الحق معهم ، وذكر لهم كيف يشاقونه ويعادونه ، فهم يلعنونهم أو يرونهم محلا للعنة ومستحقين لأشد العقوبة ، فإن المراد أن هؤلاء الكافرين المصرين على كفرهم إلى الموت هم أهل للعنة وموضوع لها من الله ومن عالم الملائكة الروحانيين ، ومن الناس أجمعين ، فإن الكافر من الناس إذا ذكر له الكفر وأهله وعنادهم واستكبارهم عن الحق لعنهم ، ولكنه قد يخطئ في حمل صفات الكفر على أصحابها .
والنكتة في ذكر لعنة الملائكة والناس مع أن لعنة الله وحده كافية في خزيهم ونكالهم ، هي بيان أن جميع من يعلم حالهم من العوالم العلوية والسفلية يراهم محلا للعنة الله ومقته ، فلا يرجى أن يرأف بهم رائف ، ولا أن يشفع لهم شافع ، لأن اللعنة صبت عليهم باستحقاق عند جميع من يعقل ويعلم .ومن حرمه سوء سعيه من رحمة الرؤوف الرحيم فماذا يرجو من سواه ؟