التفسير
/م1
قوله تعالى:{ براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين} البراءة مصدر برىء ( كتعب ) من الدَّين إذا أسقط عنه ، ومن الذنب ونحوه إذا تركه وتنزه عنه ، أي هذه براءة وأصلة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ، كما تقول هذا كتاب من فلان إلى فلان .قال الراغب:أصل البرء والبراء والتبري التفصي مما يكره مجاورته أي أو ملابسته .أسند التبري إلى الله ورسوله لأنه تشريع جديد شرعه الله تعالى ، وأمر رسوله بتبليغه وتنفيذه ، وأسند معاهدة المشركين إلى جماعة المؤمنين ، وإن كان الرسول هو الذي عقده ، فإنه إنما عقده بصفة كونه الإمام والقائد العام لهم ، وهو عقد ينفذ بمراعاتهم له وعمهم بموجبه ، كما يسند تعالى إلى الجماعة أكثر الأحكام العامة حتى ما كان الخطاب في أول آياته له صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى:{ يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [ الطلاق:1] الخ ، فجمهور المؤمنين هم الذين ينفذون أحكام المعاهدات ، ولقوادهم من أهل الحل والعقد وأمراء السرايا الاجتهاد فيما لا نص فيه منها ، ومن أحكام الحرب والصلح وغيرها ، ولا ينسب ذلك في تفصيله إلى الله ورسوله ، إذ لا يمكن إحاطة النصوص بفروعه ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم القواد إذا نزلوا حصنا فطلب أهله منهم النزول على حكم الله ورسوله أن لا ينزلوهم على حكمهما وذمتهما ، وأمر بأن ينزلوهم على حكمهم وذمتهم ، كما رواه مسلم من حديث بريدة رضي الله عنه .
والمعاهدة عقد العهد بين الفريقين على شروط يلتزمونها ، وكان اللذان يتوليانها منهما يضع أحدهم يمينه في يمين الآخر ، وكانوا يؤكدونها ويوثقونها بالأيمان ، ولذلك سميت أيمانا كما قال تعالى في المشركين{ إنهم لا أيمان لهم} [ التوبة:12] .
قال ناصر السنة البغوي في تفسير الآية:لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك كان المنافقون يرجفون الأراجيف ، وجعل المشركون ينقضون عهودا كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر الله عز وجل بنقض عهودهم ، وذلك قوله عز وجل:{ وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء} [ الأنفال:58] ، يعني أنه صلى الله عليه وسلم إنما عمل في نبذ عهودهم بآية الأنفال التي تقدمت ، وليس تشريعا جديدا لنبذ عهود المشركين مطلقا .
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيرها:اختلف المفسرون ههنا اختلافا كثيرا ، فقال قائلون:هذه الآية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة ، أو من له عهد دون أربعة أشهر ، فيكمل له أربعة أشهر ، فأما من كان له عهد مؤقت فأجله إلى مدته مهما كان ، لقوله تعالى:{ فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} [ التوبة:4] ، ولما سيأتي في الحديث ( ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته ){[1473]} ، وهذا أحسن الأقوال وأقواها ، وقد اختاره ابن جرير رحمه الله ، وروي عن الكلبي ومحمد بن كعب القرظي وغير واحد .اه .
/خ4