/م1
{ فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} خطاب للمؤمنين مرتب على البراءة مبين لما يجب أن يقولوه للمشركين الذين برىء الله ورسوله من عهودهم ، ويجوز أن يكون خطابا للمشركين أنفسهم بطريق الالتفات .والسياحة في الأرض الانتقال والتجوال الواسع فيها ، ورجل سائح وسياح ، وهو مجاز من ساح الماء سيحا ، وسيح الناس نهرا .والمراد من الأمر بالسياحة حرية السير والانتقال مع الأمان مدة أربعة أشهر ، لا يعرض المسلمون لهم فيها بقتال ، فلهم فيها سعة من الوقت للنظر في أمرهم والتفكر في عاقبتهم ، والتخير بين الإسلام وبين الاستعداد للمقاومة والصدام ، إذا هم أصروا على شركهم وعدوانهم .وهذا من غرائب رحمة هذا الدين ، وإعذاره إلى أعدى أعدائه المحاربين ، ولولاه لأمكن أن يقال إنه أخذهم على غرة ، ودانهم بما كانوا يدينونه عند القدر ، فإن كان هذا من العدل فأين ما امتاز به من الفضل ؟
وهذه الأربعة الأشهر تبتدئ من عاشر ذي الحجة من سنة تسع - وهو عيد النحر الذي بلغوا فيه هذه الدعوة كما يأتي- وتنتهي في عاشر ربيع الآخر من سنة عشر .وقال الزهري:إنها الأشهر الحرم ؛ لأن البراءة نزلت في أول شوال سنة تسع وتنتهي بانتهاء المحرم أول السنة العاشرة ، وهو غلط يقتضي أن تكون مدة الأربعة الأشهر بعد التبليغ شهرين لما سيأتي من كون تبليغهم البراءة كان يوم النحر في منى ، ولا يعقل أن يحاسبوا بالمدة قبل العلم بها .
{ واعلموا أنكم غير معجزي الله} أي وكونوا على علم قطعي بأنكم لا تعجزون الله تعالى بسياحتكم في الأرض ، ولا تجدون لكم مهربا من رسوله وعباده المؤمنين إذا أصررتم على شرككم وعدوانكم لله ولرسوله ، بل هو يسلطهم عليكم ، ويؤيدهم بنصره الذي وعدهم ، كما نصرهم في كل قتال لكم معهم بدءا أو انتهاء ، والعاقبة للمتقين .
{ وأن الله مخزي الكافرين} أي واعلموا كذلك أن الله تعالى هو المخزي لجميع الكافرين منكم ومن غيركم في معاداتهم وقتالهم لرسله وعباده المؤمنين ، يخزيهم في الدنيا بذل الخيبة والفضيحة ، ثم يخزيهم في الآخرة أيضا ، فتلك سنته تعالى فيهم كما قال في مشركي مكة ومن اقتدى بهم:{ كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون} [ الزمر:25 ، 26] وقال في عاد قوم هود{ فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون} [ فصلت:15] والظاهر أن المراد بالخزي هنا ما يكون لهم في الدنيا للتصريح بعذاب الآخرة في آخر قوله:{ وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم ( 3 )} .
/خ4