)وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) ( البقرة:221 )
التفسير:
قوله تعالى:{ولا تنكحوا المشركات}؛النكاح في الأصل الضم ،والجمع ؛ومنه قول الشاعر:
أيها المنكح الثريا سهيلاً عمرُك اللَّهُ كيف يجتمعان يعني: أيها المريد أن تجمع بين الثريا ،وسهيل - وهما نجمان معروفان - ؛الأول في الشمال ؛والثاني في الجنوب ؛فقوله: «كيف يجتمعان » يدل على أن النكاح في الأصل الجمع ،والضم ؛وأما في الشرع فهو عقد على مُحَلَّلة لقصد المصالح المترتبة على النكاح من تحصين الفرج ،والولادة ،والاستمتاع ،وغير ذلك .
قوله تعالى:{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}؛{تَنكحوا} بفتح التاء ؛أي لا تتزوجوا بهن حتى يؤمنَّ ؛و{المشركات} جمع مشركة ؛والمشركة ،أو المشرك ،هو من جعل لله شريكاً فيما يختص به سواء كان ذلك في الربوبية ،أو في الألوهية ،أو في الأسماء ،والصفات ؛فمن اتخذ إلهاً يعبده فهو مشرك - ولو آمن بأن الله خالق للكون - ؛ومن اعتقد أن مع الله خالقاً للكون ،أو منفرداً بشيء في الكون ،أو معيناً لله تعالى في خلق شيء من الكون فهو مشرك .
وقوله تعالى:{حتى يؤمن} أي يدخلن في دين الله ؛ودخولهن في دين الله يلزم منه التوحيد .
قوله تعالى:{ولأمة مؤمنة} أي امرأة مؤمنة{خير من مشركة ولو أعجبتكم}؛هذه الجملة تعليل للنهي عن نكاح المشركات مؤكدة بلام الابتداء ؛وقوله تعالى:{خير من مشركة}: أطلق الخيرية ليعم كل ما كان مطلوباً في المرأة ؛{ولو أعجبتكم} أي سرتكم ،ونالت إعجابكم في جمالها ،وخلقها ،ومالها ،وحسبها ،وغير ذلك من دواعي الإعجاب .
فإن قيل: كيف جاءت الآية بلفظ:{خير من مشركة} مع أن المشركة لا خير فيها ؟فالجواب من أحد وجهين:
الأول: أنه قد يرد اسم التفضيل بين شيئين ،ويراد به التفضيل المطلق - وإن لم يكن في جانب المفضل عليه شيء منه - ،كما قال تعالى:{أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلًا} [ الفرقان: 24] .
الثاني: أن المشركة قد يكون فيها خير حسي من جمال ،ونحوه ؛ولذلك قال تعالى:{ولو أعجبتكم}؛فبين سبحانه وتعالى أن ما قد يعتقده ناكح المشركة من خير فيها فإن نكاح المؤمنة خير منه .
قوله تعالى:{ولا تُنكحوا المشركين} بضم التاء ؛أي لا تزوجوهم ؛{حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم} سبق بيان ذلك عند قوله تعالى:{حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة} .
قوله تعالى:{أولئك يدعون إلى النار} هذه الجملة تعليل لما سبق ؛والمشار إليه فيها أهل الشرك - أي يدعون الناس إلى النار بأقوالهم ،وأفعالهم ،وأموالهم - ؛حتى إنهم يبنون المدارس ،والمستشفيات ،ويلاطفون الناس في معاملتهم خداعاً ،ومكراً ؛ولكن قد بين الله نتيجة عملهم في قوله تعالى:{إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون} [ الأنفال: 36] .
قوله تعالى:{والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه} ،أي يدعو الناس إلى الجنة بالحث على الأعمال الصالحات ؛ومغفرة الذنوب بالحث على التوبة ،والاستغفار ؛و{بإذنه} أي إذن الله ؛والإذن على قسمين: إذن كوني - وهو ما يتعلق بالمخلوقات ،والتقديرات - ؛وإذن شرعي - وهو ما يتعلق بالتشريعات - ؛فمن الأول قوله تعالى:{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [ البقرة: 255]؛ومن الثاني قوله تعالى:{ءآلله أذن لكم أم على الله تفترون} [ يونس: 59] يعني شرع لكم ؛والظاهر أن الإذن في هذه الآية - والله أعلم - يشمل القسمين ؛لأن دخول الإنسان فيما يكون سبباً للجنة ،والمغفرة كوني ؛وما يكون سبباً للجنة ،والمغفرة هذا مما شرعه الله .
قوله تعالى:{ويبين آياته للناس} أي يظهرها ،و «آيات » جمع آية ؛وهي العلامة القاطعة التي تستلزم العلم بمدلولها ،كما قال تعالى:{وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} [ يس: 41] .
قوله تعالى:{لعلهم يتذكرون} أي يتعظون ؛والجملة تعليلية .
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: أنه يحرم على المؤمن نكاح المشركات ؛لقوله تعالى:{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}؛ويستثنى من ذلك أهل الكتاب من اليهود ،والنصارى ؛لقوله تعالى:{اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان} [ المائدة: 5] ،فإن هذه الآية:{اليوم أحل لكم الطيبات ...} مخصِّصة لآية البقرة ؛و «أل » في قوله تعالى:{اليوم} للعهد الحضوري تفيد أن هذا الحكم ثبت في ذلك اليوم نفسه ؛والآية في سورة المائدة ،ونزولها بعد نزول سورة البقرة ؛لكن مع كون ذلك مباحاً فإن الأولى أن لا يتزوج منهن ؛لأنها قد تؤثر على أولاده ؛وربما تؤثر عليه هو أيضاً: إذا أعجب بها لجمالها ،أو ذكائها ،أو علمها ،أو خلقها ،وسلبت عقله فربما تجره إلى أن يكفر .
2 - ومن فوائد الآية: أن الحكم يدور مع علته وجوداً ،وعدماً ؛لقوله تعالى:{حتى يؤمن}؛فدل ذلك على أنه متى زال الشرك حل النكاح ؛ومتى وجد الشرك حرم النكاح .
3 - ومنها: أن الزوج وليّ نفسه ؛لقوله تعالى:{ولا تنكحوا المشركات}؛فوجه الخطاب للزوج .
4 - ومنها: أن المؤمن خير من المشرك ؛ولو كان في المشرك من الأوصاف ما يعجب ؛لقوله تعالى:{ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم}؛ومثله قوله تعالى:{قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث} [ المائدة: 100]؛فلا تغتر بالكثرة ؛ولا تغتر بالمهارة ؛ولا بالجودة ؛ولا بالفصاحة ؛ولا بغير ذلك ؛ارجع إلى الأوصاف الشرعية المقصودة شرعاً .
5 - ومنها: تفاضل الناس في أحوالهم ،وأنهم ليسوا على حد سواء ؛لقوله تعالى:{ولعبد مؤمن خير من مشرك} .
6 - ومنها: الرد على الذين قالوا: «إن دين الإسلام دين مساواة » ؛لأن التفضيل ينافي المساواة ؛والعجيب أنه لم يأت في الكتاب ،ولا في السنة لفظة «المساواة » مثبتاً ؛ولا أن الله أمر بها ؛ولا رغب فيها ؛لأنك إذا قلت بالمساواة استوى الفاسق ،والعدل ؛والكافر ،والمؤمن ؛والذكر ،والأنثى ؛وهذا هو الذي يريده أعداء الإسلام من المسلمين ؛لكن جاء دين الإسلام بكلمة هي خير من كلمة «المساواة » ؛وليس فيها احتمال أبداً ،وهي «العدل » ،كما قال الله تعالى:{إن الله يأمر بالعدل} [ النحل: 90]؛وكلمة «العدل » تعني أن يسوى بين المتماثلين ،ويفرق بين المفترقين ؛لأن «العدل » إعطاء كل شيء ما يستحقه ؛والحاصل: أن كلمة «المساواة » أدخلها أعداء الإسلام على المسلمين ؛وأكثر المسلمين - ولا سيما ذوو الثقافة العامة - ليس عندهم تحقيق ،ولا تدقيق في الأمور ،ولا تمييز بين العبارات ؛ولهذا تجد الواحد يظن هذه الكلمة كلمة نور تحمل على الرؤوس: «الإسلام دين مساواة » !ونقول: لو قلتم: «الإسلام دين العدل » لكان أولى ،وأشد مطابقة لواقع الإسلام .