{الذي جعل مع الله إلهاً ءاخر} ،ما أوسع هذه الكلمة ،وإذا كانت هذه الكلمة وصفاً للكفَّار العنيد ،فالمعنى أنه يعبد مع الله غيره ،وكلنا يعلم أن المشركين كانوا يعبدون مع الله غيره ،فيعبدون اللات ،ويعبدون العزى ،ويعبدون مناة ،ويعبدون هبل ،وكل قوم لهم طاغية يعبدونها كما يعبدون الله ،يركعون لها ،ويسجدون لها ،ويحبونها كما يحبون الله ،ويخافون منها كما يخافون من الله - نسأل الله العافية - هذا إذا جعلنا قوله تعالى:{مع الله إلهاً ءاخر} وصف لهذا الكفَّار العنيد .
أما إذا جعلناه أشمل من ذلك فإنها تعم كل إنسان تعبد لغير الله ،وتذلل لغير الله ،حتى التاجر الذي ليس له هم إلا تجارته وتنميتها فإنه عابد لها ،حتى صاحب الإبل الذي ليس له هم إلا إبله هو عابد لها ،والدليل على أن من انشغل بشيء عن طاعة الله فهو عابد له ،قول النبي صلى الله عليه وسلم: «تعس عبدالدينار ،تعس عبدالدرهم ،تعس عبدالخميصة ،تعس عبدالخميلة ».عبدالدينار هذا تاجر الذهب ،وعبدالدرهم تاجر الفضة ،وعبدالخميصة تاجر الثياب ؛لأن الخميصة هي الثوب الجميل المنقوش ،وعبدالخميلة تاجر الفرش ،أو ليس بتاجر ،يعني لا يتجر بهذه الأشياء لكن مشغول بها عن طاعة الله ،إن أعطي رضي ،وإن لم يعط سخط ،فسمى النبي صلى الله عليه وسلم من اشتغل بهذه الأشياء الأربعة عبداً لها ،وفي القرآن الكريم ما يدل على أن العبادة أوسع من هذا ،قال الله تعالى:{أرءيت من اتخذ إلهه هواه} .فدل ذلك على أن كل من قدم هوى نفسه على هدي ربه فهو قد اتخذ إلهاً غيره ،ولهذا يمكننا أن نقول: إن جميع المعاصي داخلة في الشرك في هذا المعنى ،لأنه قدمها على مرضاة الله تعالى وطاعته ،فجعل هذا شريكاً لله - عز وجل - في تعبده له ،واتباعه إياه ،فالشرك أمره عظيم ،وخطره جسيم ،حتى الرجل إذا تصدق بدرهم وهو يلاحظ لعل الناس يرونه ليمدحوه ويقولون: إنه رجل كريم .يعتبر مشركاً مرائياً ،والرياء شرك ،وأخوف ما خاف النبي عليه الصلاة والسلام على أمته الشرك الخفي ،وهو الرياء،فعلى هذا نقول:{الذي جعل مع الله إلهاً ءاخر} ،إن كانت وصفاً خاصًّا بالكفَّار العنيد ،فإنها تختص بمن يعبد الصنم والوثن ،وإن كانت للعموم فهي تشمل كل من اشتغل بغير الله عن طاعته ،وتقدم ذكر الأمثلة والأدلة على ما ذكرنا .
قال الله تعالى:{فألقياه في العذاب الشديد} وهو عذاب النار ،نسأل الله أن يعيذنا منها بمنه وكرمه ،