{إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأُنثى} أكد الله هذا الخبر بمؤكدين هما القسم المقدر واللام: ومعنى{لا يؤمنون بالآخرة} أي: لا يصدقون بها ولا بما فيها من الثواب والعقاب ،إذ إن الإيمان بالآخرة لابد أن يكون إيماناً بأن هذا اليوم سيكون ،وإيماناً بكل ما ثبت من حصوله ووقعه فيه ،إما في القرآن وإما في السنة ،حتى إن شيخ الإسلام - رحمه الله - قال: إن مما يدخل في الإيمان بالله واليوم الآخر الإيمان بما يكون بعد الموت من فتنة القبر ،وعذاب القبر ،ونعيم القبر ،وصدق رحمه الله ،لأن الإنسان إذا مات قامت قيامته ،وانتهى من الدنيا كأن لم يكن ،فكما أنه أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً ،فسيأتي عليه حين من الدهر لم يكن إلا خبراً من الأخبار ،كما قال الشاعر الحكيم:
في الدنيا بين يرى الإنسان فيه مخبراً
حتى يرى خبراً من الأخبار
فأنت الآن تخبر تقول: حصل كذا وحصل كذا ،وقال فلان كذا وفي يوم من الأيام .سوف يخبر عنك ،قال فلان كذا وأنت رميم ،فالإيمان باليوم الآخر يتضمن ثلاثة أمور: الأول: الإيمان بوقوع اليوم الآخر أنه لابد كائن .الثاني: الإيمان بما سيكون في هذا اليوم من: أهوال ،وحساب ،وموازين ،وصراط ،وجنة ،ونار لابد من هذا ،الثالث: الإيمان باليوم الآخر الإيمان بما يكون في القبر من فتنة القبر ،سؤال الملكين الميت عن ثلاثة أشياء: من ربك ؟ما دينك ؟من نبيك ؟{إنَّ الذين لا يؤمنون بالآخرة} هل أحد من الناس لا يؤمن بالآخرة ؟نعم كثير من الناس ،أكثر الناس لا يؤمنون بالآخرة ،حتى إن الله سبحانه وتعالى قال في الإنسان:{أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلاً} يعجزنا فيه{ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم} ما أحسن قوله:{ونسي خلقه} قبل أن يقول مقالة هذا الإنسان ،يعني هذا الإنسان قال:{من يحي العظام وهي رميم}{ونسي خلقه} ،ما هو خلقه ؟إنه لم يكن شيئاً ،خلق من ماء دافق ،فصار عظاماً وعصباً ولحماً ،وصار إنساناً ينطق ويخاصم{من يحي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم} وذكر الأدلة على إمكان ذلك،فمن الناس من ينكر اليوم الآخر ،ويقول: لا بعث .وهذا من سفهه في عقله وضلاله في دينه ،وإلا فهل من الحكمة أن تخلق هذه الخليقة وتبتلى بالأمر والنهي ،ويحصل الجهاد وقتال الأعداء ،واستحلال دمائهم وأموالهم ،ونسائهم ثم يكون نتيجة هذا لا شيء ،هذا لا يمكن ،وتأباه الحكمة ،إذاً الذين لا يؤمنون بالآخرة ،سفهاء عقولاً ،ضلال ديناً{ليسمون الملائكة تسمية الأُنثى} يعني يجعلون الملائكة إناثاً كالمشركين ،قالوا: الملائكة بنات الله ،فسموا الملائكة تسمية الأنثى ،وهي البنت ،لأنهم لا يؤمنون بالآخرة ،ولو آمنوا بالعقاب ما قالوا هذا ،لكنهم لا يؤمنون ،فيقولون ما يريدون ،قال الله تعالى:{وما لهم به من علم} نفى أن يكون لهم بذلك علم ،لأن هذا هو الواقع: هل شهدوا خلق الملائكة ؟ولهذا قال الله في آية أخرى:{وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم} والجواب: لا ،لكن{ستكتب شهادتهم ويسئلون} حين لا يجدون جواباً فهؤلاء الذين قالوا: الملائكة بنات الله .