{إنا مرسلوا الناقة فتنةً لهم}{إنا} يعني نفسه - جل وعلا - وأتى بصيغة الجمع تعظيماً له - جل وعلا - لعظمة صفاته ،وكثرة كلماته ،وكثرة جنوده ،فلذلك يكني عن نفسه بصيغة التعظيم ،{إنا مرسلوا الناقة فتنةً لهم} ،يعني باعثوها فتنة لهم واختباراً ،هل يؤمنون أو لا يؤمنون ،فلم يؤمنوا ،وفي هذا إشارة إلى أن الله تعالى قد يظهر للإنسان من الآيات ما يؤمن على مثله البشر ،حتى إذا استكبر كان استكباره عن علم ،فكان عقابه أشد وأوجع ،ولهذا جعل الله الناقة فتنة ،لأنها أظهرت الحق لهم ،ولكن لم يقبلوه ،وانتبه لهذا الاستدراج من الله - عز وجل - إذا يسر الله لك أسباب المعصية ،فلا تفعل ،فإن الله ربما ييسر أسباب المعصية للإنسان فتنة له ،أرأيتم أصحاب السبت من بني إسرائيل يسرت لهم أسباب المعصية فتنة ،وهي أن الله حرَّم عليهم صيد السمك يوم السبت فكانت الحوت تأتي يوم السبت شرَّعاً على وجه الماء وبكثرة عظيمة ،لكنهم ملتزمون لم يصيدوا السمك في يوم السبت ،فلما طال عليهم الأمد عجزوا عن ملك أنفسهم ،فرجعوا إلى طبيعتهم وهي الغدر والحيلة والمكر ،فاحتالوا على صيد السمك ،صاروا يجعلون شباكاً يوم الجمعة فتأتي الحيتان وتدخل في الشباك ،فإذا كان يوم الأحد أخذوا الحيتان ،وهذه حيلة واضحة ،فقلبهم الله قردة ،قال الله تعالى:{ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين} وفي صدر هذه الأمة حرم الله على المحرمين الصيد{لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} فبعث الله الصيد عليهم وهم محرمون تناله أيديهم ورماحهم ،يعني أن الذي يمشي على الأرض يمسكونه باليد مثل الأرنب والغزال يمسكه الواحد باليد .والطائر الذي كان لا ينال إلا بالسهم لأنه بعيد ،صار يطير وكأنه على الأرض ،الرمح يدركه ،فتنة ،فهنا يسر الله لهم أسباب المعصية ،لكن الصحابة - رضي الله عنهم - وهم خير الناس لم يأخذ أحد منهم صيدة واحدة رضي الله عنهم ،بينما بنو إسرائيل تحيلوا وخادعوا الله ،أما سلف هذه الأمة ،وفقنا الله لموافقتهم في الدنيا في أعمالهم وفي الآخرة في مساكنهم فإنهم لم يأخذوا .
وهذه الناقة أرسلها الله تعالى فتنة لثمود لكن ما أغنتهم{إنا مرسلوا الناقة فتنةً لهم فارتقبهم واصطبر} أي: ارتقب عذابهم ،أو ارتقب أفعالهم ،وانظر ماذا يفعلون{واصطبر} يعني اصبر ،وأصل اصطبر ( اصتبر ) بالتاء للمبالغة ،لكن قلبت التاء طاء لعلة تصريفية اقتضتها اللغة العربية ،يعني أن الله قال لرسولهم صالح عليه السلام: ارتقب هؤلاء واصطبر فالنصر قريب ،