قوله تعالى:{وكل شيء أحصيناه كتاباً}{كل شيء} يشمل ما يفعله الله عز وجل من الخلق والتدبير في الكون ،ويشمل ما يعمله العباد من أقوال وأفعال ،ويشمل كل صغير وكبير{أحصيناه} أي ضبطناه بالإحصاء الدقيق الذي لا يختلف .{كتاباً} يعني كتباً ،وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله تعالى كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة ،ومن جملة ذلك أعمال بني آدم فإنها مكتوبة ،بل كل قول يكتب ،قال الله تعالى:{ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ ق: 18] .رقيب يعني مراقب ،والعتيد يعني الحاضر .ودخل رجل على الإمام أحمد رحمه الله وهو مريض يئن من مرضه فقال له: يا أبا عبدالله إن طاووساً وهو أحد التابعين المشهورين يقول: إن أنين المريض يكتب ،فتوقف رحمه الله عن الأنين خوفاً من أن يكتب عليه أنين مرضه .فكيف بأقوال لا حدّ لها ولا ممسك لها ،ألفاظ تترى طوال الليل والنهار ولا يحسب لها الحساب ،فكل شيء يكتب حتى الهم يكتب إما لك وإما عليك ،من همّ بالسيئة فلم يعملها عاجزاً عنها فإنها تكتب عليه ،وإن هم بها وتركها لله فإنها تكتب له ،فلا يضيع شيء كل شيء أحصيناه كتاباً .