وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون} أي لا يخضعون لله عز وجل فالسجود هنا بمعنى الخضوع لله ،وإن لم تسجد على الأرض لكن يسجد القلب ويلين ويذل إن كان الأمر كذلك فأنت من المؤمنين{إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً} [ الأنفال: 2] .وإن لم يكن قلبك كذلك ففيك شبهٌ من المشركين الذين إذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون ،ومن علامات الخضوع لله عز وجل عند قراءة القرآن أن الإنسان إذا قرأ آية سجدة سجد لله ذلاً له وخضوعاً ،وقد استدل بعض العلماء بهذه الاية على وجوب سجود التلاوة .وقال: إن الإنسان إذا مر بآية سجدة ولم يسجد كان آثماً .والصحيح: أنها ليست بواجبة وإن كان هذا القول أعني القول بالوجوب هو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ،لكن هذا قول مرجوح ،وذلك أنه ثبت في الصحيح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطابرضي الله عنهأنه خطب الناس يوماً فقرأ سورة النحل فلما وصل آية السجدة نزل من المنبر فسجد ،ثم قرأها من الجمعة الثانية فمر بها ولم يسجد فقال رضي الله عنه: إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء ،وكان ذلك بمحضر من الصحابةرضي الله عنهمولم يُنكر عليه أحد .وسنته رضي الله عنه من السنن التي أُمرنا باتباعها ،وعلى هذا فالقول الراجح أن سجود التلاوة ليس بواجب ،لكنه سنة مؤكدة ،فإذا مررت بآية سجدة فاسجد في أي وقت كنت في الصباح ،أو في المساء ،في الليل ،أو في النهار ،تكبر عند السجود ،وإذا رفعت فلا تكبر ولا تسلم هذا إذا سجدت خارج الصلاة ،أما إن سجدت في الصلاة فلابد أن تكبر إذا سجدت ،وأن تكبر إذا نهضت ؛لأنها لما كانت في الصلاة كان لها حكم السجود في الصلاة .قال الله تعالى:{بل الذين كفروا يكذبون .والله أعلم بما يوعون} لما ذكر سبحانه وتعالى أنهم إذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون بيّن سبحانه وتعالى أن سبب تركهم السجود هو تكذيبهم بما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام ،لأن كل من كان إيمانه صادقاً فلا بد أن يمتثل الأمر ،وأن يجتنب النهي ،لأن الإيمان الصادق يحمل صاحبه على ذلك ،ولا تجد شخصاً ينتهك المحارم أو يترك الواجبات إلا بسبب ضعف إيمانه ،ولهذا كان الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو التصديق المستلزم للقبول والإذعان ،فمتى رأيت الرجل يترك الواجبات ،أو بعضاً منها ،أو يفعل المحرمات فاعلم أن إيمانه ضعيف إذ لو كان إيمانه قوياً ما أضاع الواجبات ولا انتهك المحظورات ،ولهذا قال تعالى هنا:{بل الذين كفروا يكذبون}