{وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} أي ما أنكر هؤلاء الذين سعروا النار بأجساد هؤلاء المؤمنين إلا هذا ،أي: إلا أنهم آمنوا بالله عز وجل{إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} وهذا الإنكار أحق أن ينكر ؛لأن المؤمن بالله العزيز الحميد يجب أن يساعد ويعان ،وأن تسهل له الطرق ،أما أن يمنع ويردع حتى يصل الحد إلى أن يحرق بالنار فلا شك أن هذا عدوان كبير ،وليس هذا بمنكر عليهم ،بل هم يحمدون على ذلك ؛لأنهم عبدوا من هو أهل للعبادة ،وهو الله جل وعلا ،الذي خلق الخلق ليقوموا بعبادته ،فمن قام بهذه العبادة فقد عرف الحكمة من الخلق وأعطاها حقها .وقوله:{إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} العزيز هو الغالب الذي لا يغلبه شيء ،فهو سبحانه وتعالى له الغلبة والعزة على كل أحد ،ولما قال المنافقون:{لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} قال الله تبارك وتعالى:{ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون} [ المنافقون: 8] .وقوله:{الحميد} بمعنى المحمود فالله سبحانه وتعالى محمود على كل حال وكان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا جاءه ما يُسر به قاg: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات » ،وإذا جاءه خلاف ذلك قال: «الحمد لله على كل حال » ،وهذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يقول عند المكروه «الحمد لله على كل حال » أما ما يقوله بعض الناس ( الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ) فهذا خلاف ما جاءت به السنة به ،قل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الحمد لله على كل حال » أما أن تقول: ( الذي لا يحمد على مكروه سواه ) فكأنك الان تعلن أنك كاره ما قدر الله عليك ،وهذا لا ينبغي ،بل الواجب أن يصبر الإنسان على ما قدر الله عليه مما يسوؤه أو يُسره ،لأن الذي قدره الله عز وجل هو ربك وأنت عبده ،هو مالكك وأنت مملوك له ،فإذا كان الله هو الذي قدر عليك ما تكره فلا تجزع ،يجب عليك الصبر وألا تتسخط لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك ،اصبر وتحمل والأمر سيزول ودوام الحال من المحال ،قال النبي عليه الصلاة والسلام: «واعلم أن النصر مع الصبر ،وأن الفرج مع الكرب ،وأن مع العسر يسراً » ،فالله عز وجل محمود على كل حال من السراء أو الضراء ؛لأنه إن قدر السراء فهو ابتلاء وامتحان ،قال الله تعالى:{ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [ الأنبياء: 35] .ولما رأى سليمان عرش بلقيس بين يديه قال:{هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر} [ النمل: 40] .فإذا أصبت بالنعمة لا تأخذها على أنها نعمة فتمرح وتفرح ،هي نعمة لا شك لكن اعلم أنك ممتحن بها هل تؤدي شكرها أو لا تؤدي ،إن أصابتك ضراء فاصبر فإن ذلك أيضاً ابتلاء وامتحان من الله عز وجل ليبلوك هل تصبر أو لا تصبر ،وإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله فإن الله يقول:{إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [ الزمر: 10] .
ويجوز أن يكون معنى قوله:{الحميد} أنه هو الحامد ،فإنه سبحانه وتعالى يحمد من يستحق الحمد ،يثني على عباده من المرسلين والأنبياء والصالحين ،والثناء عليهم حمدٌ لهم ،فهو جل وعلا حامد ،وهو كذلك محمود ،وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الله يرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها ،لأنه لولا أن الله يسر لك هذه الأكلة والشربة ما حصلت عليها ،قال الله تبارك وتعالى:{أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} [ الواقعة: 64] .الله يسألنا ،أنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ؟الجواب: بل أنت يا ربنا{لو نشاء لجعلناه حطاماً} بعد أن يخرج وتتعلق به النفوس يجعله الله حطاماً ،ولم يأت التعبير «لو نشاء لم ننبته » لأن كونه ينبت وتتعلق به النفس ثم يكون حطاماً أشد وقعاً على النفس من كونه لا ينبت أصلاً{لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون} ثم ذكر الشرب فقال:{أفرأيتم الماء الذي تشربون .أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون} الجواب: بل أنت يا ربنا{لو نشاء لجعلناه أجاجاً} أي مالحاً غير عذب لا يستطيع الإنسان أن يشربه{فلولا تشكرون} يعني فهلا تشكرون الله على ذلك ،وهنا لم يأت التعبير «لو نشاء لم ننزله من المزن » ،لأن كونه ينزل ولكن لا يشرب لا يطاق أشد من كونه لم ينزل أصلاً فتأملوا القرآن الكريم تجدون فيه من الأسرار والحكم الشيء الكثير .