{وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ *الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} فلم يصدر منهم أيّ ذنب من الذنوب التي يرتكبها الخاطئون ليعاقبوا عليها ،ولم يحدث منهم أيّ إخلالٍ بالنظام العام ليستحقوا النقمة التي تتنفس بهذا العذاب ،بل كلّ ما هناك أنهم آمنوا بالله العزيز القادر ،الحميد المستحق للحمد في كل حالٍ ،ولعل ذكر هاتين الصفتين لله ،سبحانه ،يوحي بأنهما من بعض الأسس التي ارتكزوا عليها في إيمانهم به ،كما يوحي ،من طرفٍ خفيّ ،بأن الله قادر على أن ينتقم لهؤلاء المظلومين ،لأنه وحده الذي يملك الأمر كله ،والحمد كله ،فهو مالك السماوات والأرض الذي لا ملك لغيره ولا حمد لسواه ،وهو الشاهد على كل شيء ،فلا يغيب عنه ما يفعله هؤلاء .
لصراع الدائم بين الإيمان والكفر
وتلك هي جريمة الكثيرين من المؤمنين المتقين العاملين في سبيل الله ،السائرين على خط هداه ،عندما يخضعون للتعذيب والتشريد والقتل من قِبَل الحكام الجائرين والطغاة المستكبرين ،فهم لا يطيقون أن يكون هناك للإسلام قاعدةٌ قويّةٌ في حياة الأمة ،ولا يرتاحون لأيّة شعارات تنادي بالإيمان ،ولا لأيّة حركةٍ تنطلق باسم الإسلام ،لأن ذلك يشكل خطراً على امتيازاتهم الطاغية ،وأوضاعهم الظالمة ،فإن الأمّة إذا عرفت دينها عرفت حقوقها ،ووعت طريقها وأهدافها الحقيقية الكبرى في ما هي قضية الإيمان المنفتح على الحرية والعدالة ،ولذلك يلاحقون المؤمنين ،ويضطهدونهم بأبشع ألوان الاضطهاد ،ليجعلوا من ذلك وسيلة ضغطٍ عليهم فلا يزيدهم الضغط إلا صموداً ،ولا تزيدهم الملاحقة إلا إصراراً على الثبات على المبدأ وقوّةً على متابعة السير .
وتلك هي قصة الصراع الدائم بين الإيمان والكفر ،والحرّيّة والاستعباد ،والعدل والظلم ،لتتحرّك كل مواقعه في اتجاه إيجاد الفرص العملية للتجربة الإيمانية الناجحة ،لتؤكد قوّتها على الثبات والاستمرار على الخط في الظروف الصعبة القاسية في أكثر من صعيد .