{ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون ( 6 ) وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر1 إن كنتم لا تعلمون ( 7 )وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ( 8 ) ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين2 ( 9 ) لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم 3 أفلا تعقلون ( 10 )} [ 6-10] .
صلة الآيات بسابقاتها واضحة ،وقد احتوت ردودا على أقوال الكفار المحكية في الآيات السابقة وتبكيتا ،وانطوى فيها تطمين للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كما يلي:
إن الذين أهلكهم الله من قبلهم لم يؤمنوا بالآيات التي طلبوها ،فهل يؤمن هؤلاء ،وهم مثلهم في الكفر والعناد .
إن الرسل الذين أرسلهم الله قبل النبي هم بشر مثله اختصهم بوحيه .ولم يجعل الله أحدا منهم متصفا بصفة خارقة لصفات البشر فيعيش بدون طعام أو يبقى خالدا لا يموت ،وعلى الذين يمارون في ذلك أن يسألوا أهل الكتب السماوية .
ولقد حقق الله وعده لرسله الأولين ،فأهلك الظالمين المسرفين في العناد والآثام ،ونجّى رسله ومن وفقه الله فاهتدوا بهديهم .
ولقد أنزل الله إليهم كتابا فيه من المواعظ البالغة والحجج الدامغة والبيان الواضح ما فيه هدايتهم وتذكيرهم وتبصيرهم ،فهل فقدوا عقولهم حتى لم يعودوا يفهمون ،ويتبينون الحق والحقيقة .
وما احتوته الآيات قد جاء في آيات سابقة نزلت في مواقف مماثلة .
ولقد علقنا على الردود في المناسبات السابقة بما يغني عن تعليق جديد إلا القول: إن فيما ظل يتكرر حكايته من مواقف الكفار وتحدياتهم يدل على ما كان من شدة عنادهم ،وإن النبي صلى الله عليه وسلم ظل يقوم بمهمته ،ويتلو آيات القرآن ،ويقذف بما احتواه من ردود قوية عنيفة في وجوههم دون مبالاة بقوتهم ومواقفهم حتى صدق الله وعده له ،وتم انتصار دينه على يده .
وقد يكون في الآية الأولى معنى من معاني عدم احتمال إيمان الكفار .غير أن المتبادر أنها في صدد تسجيل واقع أمرهم وشدة مناوأتهم وعنادهم عند نزول الآية ؛لأن معظمهم قد آمنوا وحسن إيمانهم كما هو ثابت يقينا ، إلا إذا كان المقصود منهم الزعماء الذين هلك كثير منهم دون أن يؤمنوا .