{وإن يونس لمن المرسلين ( 139 ) إذ أبق( 1 ) إلى الفلك المشحون ( 2 ) ( 140 ) فساهم( 3 ) فكان من المدحضين ( 4 ) ( 141 ) فالتقمه( 5 ) الحوت وهو مليم( 6 ) ( 142 ) فلولا أنه كان من المسبحين ( 143 ) للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ( 144 ) فنبذناه( 7 ) بالعراء( 8 ) وهو سقيم ( 145 ) وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ( 146 ) وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون ( 147 ) فآمنوا فمتعناهم إلى حين ( 148 )} [ 139 – 148] .
تعليق على قصة يونس عليه السلام
وهذه حلقة سادسة من سلسلة القصص وهي الأخيرة .وقد ذكر فيها قصة يونس مع قومه وقد وردت هذه القصة في سورة القلم ،ووردت إشارات خاطفة إليها في سورة يونس التي مرت وفي سورة الأنبياء الآتية بعد قليل وجاءت هنا بشيء من الزيادة اقتضتها حكمة التنزيل .
ولقد قلنا في سياق تفسير آيات في سورة القلم ذكرت ( صاحب الحوت ) أن قصة يونس مذكورة في سفر يونان من أسفار العهد القديم وأوردنا خلاصة ما جاء في سفر .وهي متطابقة إجمالا مع ما جاء عنها في الآيات التي نحن في صددها وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار .واسم يونس جاء هذا بصراحة مع ذكر التقام الحوت له وهذا الاسم معرب يونان على ما هو المتبادر .
وإذا كان من شيء يزاد هنا فهو تباين بين خبر شجرة اليقطين في الآيات وشجرة الخروعة في السفر .وهناك تباين آخر ،ففي الآيات أن الله أنبت الشجرة لامتحانه وليس لوقايته بعد خروجه من بطن الحوت .فقد غضب يونس لعدم إتباع الله العذاب الموعود من الله على قومه – وهذا ما يمكن أن يفيده فحوى آية في سورة الأنبياء{وذا النون إذ ذهب مغاضبا .......) [ 87] فأنبت الله الخروعة ،وهو ذاهب مغاضب لقومه ليستظل بها فأرسل الله دودة فجففتها ،فعاتب ربه على ذلك فقال له الله: أشفقت على شجرة لم تتعب بها ،أفلا أشفق على مدينة عظيمة فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من أناس لا يعرفون يمينهم من شمالهم عدا ما فيها من بهائم ،والذي نعتقده أن ما جاء في القرآن أيضا كان مما كان واردا في قراطيس ومتداولا بين أوساط اليهود .
والعبرة التي انطوت في آيات القصة هنا وهي الجوهرية فيها ذكر ما كان من مغادرة يونس لقومه خلافا لأمر الله حتى نعت بالآبق .ومجازاة الله تعالى له بما كان من قذفه في البحر والتقام الحوت له لتنبيهه وزجره .وقد ندم وسبح الله واستغاث كما ذكرت الآيات هنا ،وفي آية سورة الأنبياء{وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين( 87 )} فتاب الله عليه وأنقذه من بطن الحوت ثم أرسله إلى قومه فاستأنف دعوتهم إلى الله فآمنوا .وكل هذا مما احتواه السفر أيضا ،وهذه النهاية هي المهمة في مساق العبرة حيث ينطوي فيها تأميل بإيمان من لم يكن قد استجاب للدعوة النبوية إذا ما واظب النبي على دعوتهم .
هذا ،وننبه على صيغة الآية [ 147] حيث قد يتبادر إلى الوهم منها أن هناك شكا في عدد قوم يونس مما لا يجوز على الله تعالى فنقول: إنه أسلوب مألوف من الأساليب الخطابية والأساليب القرآنية .وهو ما ظللنا نعبر عنه بجملة ( التعبير الأسلوبي ) والقصد من التعبير هو التنويه بكثرة عدد الذين أرسل إليهم وآمنوا كما هو المتبادر .
والمناسبة قائمة لإيراد حديث رواه البخاري والتعليق عليه حيث روى عن أبي هريرة قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب ){[1755]} .وقد أوضح الشراح أن القصد هو النهي عن تفضيل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم على يونس عليه السلام .ولقد روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم ،ونصرت بالرعب ،وأحلت لي الغنائم ،وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ،وأرسلت إلى الخلق كافة ،وختم بي النبيون ){[1756]} .هذا بالإضافة إلى أن القرآن يذكر بصراحة أن الله فضل بعض النبيين على بعض كما جاء في الآية [ 55] من سورة الإسراء التي سبق تفسيرها وفي آية [ 253] من سورة البقرة:{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض} وشراح حديث الترمذي يقولون: إما أن يكون هذا الحديث قد صدر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يعلم أنه فضل على النبيين ،وإما أن يكون من قبيل التواضع وتعليم المسلمين لواجب احترام جميع أنبياء الله ،والله أعلم .