{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ( 58 ) فَارْتَقِبْإِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ ( 59 )} [ 58 - 59] .
جاءت الآيتان معقبتين على وصف مصيري الكفار والمؤمنين .وخاتمتين للسورة والموقف الجدلي الحجاجي معا ،وقد وجه الخطاب فيها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ،فالله سبحانه إنما جعل القرآن بلسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعل السامعين يتعظون به ؛لأنه بلغتهم ،وإذا لم يتعظوا فلينتظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،ولينتظر الكفار معا أمر الله وقضاءه فهو واقع لا ريب فيه .
وفي هذا إنذار للكفار وتطمين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم استهدف به بث الثقة والقوة والأمل في نفسه كما هو المتبادر .
ولقد روى الطبري عن قتادة أن الآيات [ 48 – 50] نزلت في أبي جهل الذي قال في مجال الافتخار حينما أنذره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بآيات سورة العلق [ 15 – 16]: أيوعدني محمد ،والله لأنا أعز من مشى بين جبليها .وقد روى ابن كثير عن عكرمة صيغة أخرى من هذه الرواية حين قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم له: إن الله تعالى أمرني أن أقول لك أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى ،فنزع ثوبه من يده وقال: ما تستطيع أنت ولا صاحبك من شيء ،ولقد علمت أني أمنع أهل البطحاء ،وأنا العزيز الكريم .ومع احتمال أن يكون مثل هذه المحاورة جرت بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي جهل وصدر عن أبي جهل هذا القول ،فإن الآيات كما يبدو وحدة متماسكة متصلة بما قبلها وما بعدها وعلى سبيل الإنذار والتبشير بمصيري الكفار والمؤمنين بحيث يصح القول: إنها لم تنزل في هذه المناسبة ،وكل ما يمكن أن يكون أنها احتوت ردا لاذعا شامتا على اعتداد أبي جهل وأمثاله بأنفسهم وعزتهم .
ولقد روى البغوي بطرقه في سياق ذكر شجرة الزقوم ووصفها حديثا عن ابن عباس قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أيها الناس اتقوا الله حق تقاته ،فلو أن قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لأمرت على أهل الدنيا معيشتهم ،فكيف بمن تكون طعامه وليس لهم طعام غيره ) .حيث ينطوي في الحديث توضيح ترهيبي إنذاري نبوي مع الترهيب الإنذاري الذي احتوته الآيات .
وفي الآية الأولى دليل جديد يضاف إلى الأدلة الكثيرة التي نبهنا عليها على أن لغة القرآن كانت مفهومة عند أهل بيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعصره من العرب بل كانت لغتهم التي هي لغة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
تعليق على السندس والإستبرق
وما قلناه في صدد وسائل النعيم الأخروية في سياق سورة الزخرف وغيرها ينسحب على الوصف الوارد في الآيات .وإن كان من شيء يصح أن يزاد فهو أنه لما كان الإستبرق والسندس كلمتين معربتين عن الفارسية أو الرومية على اختلاف الأقوال ،ولما كانت روح الآيات تلهم أن ما يرمزان إليه من نوع النسيج الحريري كان معروفا وممارسا في بيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعصره فإنه يسوغ القول: إن في ذلك دلالة على ما كان من صلات تجارية وغير تجارية بين أهل بيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعصره وفي الأقطار المجاورة لجزيرة العرب ،وعلى اقتباس العرب لكثير من وسائل الحياة التي كان يتمتع بها أهل تلك الأقطار ،وهو ما قامت عليه الأدلة الكثيرة القرآنية وغير القرآنية .