{وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ ( 61 ) وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( 62 ) لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ( 63 )} ( 61 – 63 ) .
في الآيات:
( 1 ) تقرير منطو على التنديد باليهود الذين هم موضوع الكلام بأنهم إذا جاءوا المسلمين أو إلى مجالس النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: صدقنا وآمنا ،في حين أنهم حين دخولهم دخلوا وقلوبهم جاحدة وحين خروجهم يخرجون كفارا جاحدين ،وبأن هذه هي حقيقتهم التي يعلمها الله وهو الأعلم بحقائق ما يكتمون في نفوسهم .
( 2 ) وتقرير آخر منطو على التنديد كذلك بأن المدقق في حالهم يرى كثيرا منهم يوغلون في ارتكاب الآثام والعدوان وأكل المال الحرام دون ما تورع ولا مبالاة ،وأنه لبئس العمل والخلق عملهم وخلقهم .
( 3 ) وتحد ينطوي على التنديد بأحبارهم ورهبانهم بأنهم كان عليهم أن يزجروا بني ملتهم عن تلك الأخلاق السيئة ،ولكنهم لم يفعلوا ،ولبئس الصنيع صنيعتهم .
تعليق على الآية:
{وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا ...........................} الخ
والآيتين التاليتين لها وما فيهما من صورة وتلقين
وقد روى الخازن أن الآية الأولى نزلت في جماعة من اليهود كانوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،فيعلنونه بإيمانهم به في حين كانوا كاذبين .
والرواية لم ترد في كتب الحديث المعتبرة ،ومع احتمال صحة الواقعة المروية التي حكت مثلها آيات أخرى في سور أخرى ( 1 ){[817]} فإننا نرى انسجاما تاما بين الآيات واتصالا وثيقا بينها وبين الآيات السابقة سياقا وموضوعا مما يسوغ القول: إنها نزلت معها جملة واحدة ،أو نزلت عقبها لإكمال السياق ،وكل ما يمكن أن يكون أن السياق احتوى فيما احتواه إشارة إلى الواقعة المحكية في الرواية في جملة الوقائع التي صدرت منهم والأخلاق التي اتصفوا بها في معرض التنديد بهم والتحذير منهم والنهي عن موالاتهم ومصانعتهم .
وفي الواقعة المحكية من بشاعة سوء القصد ونية الكيد والدس ما هو واضح .وهذا من مشاهد مواقف اليهود الخبيثة إزاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعوته مضافة إلى مشاهد مواقفهم المماثلة إزاء المؤمنين .وقد تكرر هذا وذاك منهم على ما حكته آيات عديدة في سورة سابقة كما قلنا .ومع ذلك فإن صدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحتمله منهم ؛لأنه كان في نطاق المماحكة والمكر والكلام ولم يتبدل موقفه منهم إلا حينما تجاوزوا هذا النطاق إلى التظاهر بالعداء والتآمر مع الأعداء على ما نبهنا عليه في سياق تفسير سورة البقرة والأنفال وآل عمران والنساء والحشر والأحزاب والجمعة والفتح .
والآية الثالثة في احتوائها معنى التنديد بأحبار اليهود وربانييهم تلهم أنه كان لهم ضلع ويد بارزة في المواقف الخبيثة التي كان يقفها اليهود فضلا عما تفيده من إغضائهم عما كان مستشريا في اليهود من أخلاق سيئة واستحلال مال الغير والعدوان عليه .فاقتضت الحكمة أن يغمزوا هذه الغمزة كأنه أريد أن يقال لهم: إنه كان الأولى بهم والواجب عليهم أن ينهوا عامة بني ملتهم عن قول الإثم وأكل السحت .ولكنهم لم يفعلوا هذا أيضا .ولقد أشارت آيات أخرى إلى ضلع الأحبار والربانيين في مواقف العناد والدس والكيد والصد بصراحة ( 1 ){[818]} .وهكذا تؤيد الإشارات القرآنية بعضها بعضا .بل ولعل من الصواب أن يقال: إن موقف عامة اليهود متأثر بموقف هؤلاء الرؤساء .ومن أجل ذلك استحقوا ما احتوته آيات القرآن من التنديد والتقريع بصورة عامة .
ومهما تكن الآيات في صدد اليهود فإن فيها تلقينا مستمر المدى للمسلمين من حيث تقبيح استشراء الإثم والعدوان وأكل المال الحرام بين الناس .وتقبيح سكوت الرؤساء الدينيين خاصة عن ذلك وعدم نهيهم عنه .