{ وَإِذَا جَآؤُوكُمْ قَالُوَاْ آمَنَّا} الكلام في منافقي اليهود الذين كانوا في المدينة جوارها .أي ذلك شأنهم في حال البعد عنكم ، وإذا جاؤوكم قالوا للرسول ولكم إننا آمنا بالرسول وما أنزل عليه{ وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ} أي والحال الواقعة منهم أنهم دخلوا عليكم متلبسين بالكفر ، وهم أنفسهم قد خرجوا متلبسين به ، فحالهم عند خروجهم هي حالهم عند دخولهم ، لم يتحولوا عن كفرهم بالرسول ما نزل من الحق ، ولكنهم يخادعونكم – كما قال تعالى في آية البقرة:{ وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، وإذا خلى بعضهم إلى بعض قالوا:أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} [ البقرة:75] .
{ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ} عند دخولهم من قصد تسقط الأخبار ، والتوسل إليه بالنفاق والخداع ، وعند خروجهم من الكيد والمكر والكذب الذي يلقونه إلى البعداء منم قومهم كما تقدم قريبا في تفسير{ سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين} [ المائدة:41] ونكتة قوله ( وهم قد خرجوا به ) هي تأكيد كون حالهم في وقت الخروج كحالهم في وقت الدخول ، وإنما احتاج هذا التأكيد لمجيئه على خلاف الأصل لأن من كان يجالس الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يسمع من العلم والحكمة ويرى من الفضائل ما يكبر في صدره ويؤثر في قلبه حتى إذا كان سيئ الظن رجع عن سوء ظنه – وأما سيء القصد فلا علاج له – وقد كان يجيئه الرجل يريد قتله ، فإذا رآه وسمع كلامه آمن به وأحبه .وهذا هو المعقول الذي أيدته التجربة .وإنما شذ هؤلاء وأمثالهم ، لأن سوء نيتهم وفساد طويتهم قد صرفا قلوبهم عن التذكر والاعتبار ، ووجها كل قواهم إلى الكيد والخداع ، والتجسس وما يراد به ، فلم يبق لهم من الاستعداد ما يعقلون به تلك الآيات ويفقهون مغزى الحكم والآداب .{ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} [ الأحزاب:4] .