{كلا بل تكذبون بالدين 9 وإن عليكم لحافظين 10 كراما كاتبين 11 يعلمون ما تفعلون 12} [ 9-12] .
وفي هذه الآيات هتاف تنديدي موجه إلى الكفار في معرض بيان الباعث على جحودهم لله وهو تكذيبهم بالجزاء الرباني يوم القيامة .وتوكيد في معرض الإنذار بأن الله قد جعل عليهم من يحصي ويحفظ كل ما يصدر منهم ويسجله عليهم من كتّاب الله الكرام الذين ينفذون أوامر الله .
وواضح أن التوكيد ينطوي على توكيد الجزاء الأخروي أيضا ،ومثل هذا البيان والتوكيد قد تكرر في مواضع كثيرة من القرآن .
ولقد تكررت الإشارة إلى الرقباء والكاتبين لأعمال الناس في سور سابقة .ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات أيضا بعض الأحاديث .منها حديث عن مجاهد جاء فيه: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين الجنابة والغائط ،فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بجرم حائط أو ببعيره أو ليستره أخوه ) .ومنها حديث مثل هذا مع زيادة عن ابن عباس جاء فيه: ( إن الله ينهاكم عن التعري فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات الغائط والجنابة والغسل .فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بجرم حائط أو ببعيره ) .ومنها حديث عن أنس قال:
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من حافظين يرفعان إلى الله عز وجل ما حفظا في يوم فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها استغفارا إلا قال الله تعالى: قد غفرت لعبدي ما بين طرفيّ الصحيفة ) .وحديث عن أبي هريرة قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله ملائكة يعرفون بني آدم ،وأحسبه قال: ويعرفون أعمالهم فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله ذكروه بينهم وسموه وقالوا: أفلح الليلة فلان .نجا الليلة فلان .وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله ذكروه بينهم وسموه وقالوا: هلك الليلة فلان ) .
ولقد علقنا على هذا الموضوع في سياق سورة ( ق ) فلا نرى ضرورة لتعليق آخر .ومع التنبيه على أن هذه الأحاديث لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة فإنها يلمح فيها قصد التأديب والتنبيه ،فإن صحت فيكون من جملة مقاصدها هذا القصد والله تعالى أعلم .