وما أغنت البيوت التي نحتوها ، ولا الزروع التي كسبوها ؛ ولذا قال تعالى:{ فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( 84 )} من بناء نحتوه من الصخور ، ولا ثمار جنوها ، ولا زروع حصدوها فأضاع كل ذلك فسقهم .
ويلاحظ أولا:أن البيوت التي نحتوها من الصخر لم يذكر أنه سبحانه جعل عاليها سافلها ، ولا أنهم أمطروا حجارة كقوم لوط الفاسقين .
ويلاحظ ثانيا:أن قصة شعيب ذكرت هنا بالإشارة ، وذكر فيها جزاء عتوهم ، وكذلك ثمود أشير فيها إلى العقاب وترك من القصة تفاصيل فلم يذكر ما دعا إليه شعيب من إيفاء الكيل والميزان وعبادة الله تعالى .
ولم يذكر في قصة ثمود وما جرى من مجاوبة بين ثمود وصالح ، وهكذا تجد القصة كاملة في القرآن ، ولكن متفرقة فيه لموضع العظة في كل جزء منها .
فقصة موسى ذكرت أجزاؤها في مواضعها من العظة والاعتبار ، وإنك لو تتبعت أجزاء قصة موسى وفرعون وبين إسرائيل لخرجت بقصص كاملة رائعة مصورة لأحوال النفوس المستضعفة للطغاة ، ونفوس الطغاة ، ونفوس الذين استمكن فيهم الخنوع ، وذلت منهم النفوس ، وكيف تبنى الأمم وتربى العزائم .
وقد يسأل سائل لماذا لم تذكر القصة كاملة ؟ فنقول في الجواب عن ذلك:
أولا:إن القرآن ليس كتاب تاريخ ، ولكنه كتاب عظة واعتبار ، فكل جزء فيه عظة ، ويذكر في موضعه مقرونا بما سبق في القرآن لأجله فيكون الاتعاظ سببه بين والوعظ أهدى سبيلا .
وثانيا:أنها لو ذكرت جملة ما عرفت مواضع العظات بالتفصيل .
وخلاصة القول أنه ليس في القرآن مكرر من القول قط ، وما يبدو بادئ الرأي فيه تكرار في ذكر القصص في القرآن يبدو بطلانه إذا فحص القول ، وعمق القارئ النظر فيه ، والله منزل الكتاب ومنزهه .